فركب الناس إلى بيته وحضر القراء والمؤذنون والمكبرون إلى بابه ينتظرون أن يخرج فخرج إليهم الرضا وقد اغتسل ولبس أفخر ثيابه وتعمم بعمامة وألقى طرفا منها على عاتقه ودهن طيبا وأخذ عكازا في يده وخرج ماشيا ولم يركب وقال لمواليه وأتباعه افعلوا كما فعلت ففعلوا كفعله وصاروا بين يديه عند شروق الشمس رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير فلما رآه القواد والجند على تلك الحالة لم يسعهم إلا أن نزلوا عن خيولهم ومراكبهم وساروا بين يديه وتركوا دوابهم مع غلمانهم خلف الناس، وكان كلما كبر الرضا كبر الناس بتكبيره وكلما هلل هللوا بتهليله وهم سائرون بين يديه حتى خيل للناس أن الحيطان والجدران تجاوبهم بالتكبير والتهليل وارتفع البكاء والصراخ فبلغ ذلك المأمون فقال له الفضل: إن بلغ الرضا المصلى أفتتن به الناس وخفنا على دمائنا وأرواحنا وعليك في نفسك فابعث إليه ورده، فبعث إليه المأمون قد كلفناك يا أبا الحسن ولا تصب أن تلحقك مشقة ارجع إلى بيتك ويصلي بالناس من كان يصلي بهم من قبل، فرجع علي الرضا إلى بيته وركب المأمون فصلى بالناس.
(فائدة) قال المأمون لعلي الرضا رضي الله عنه: أنشدنا أحسن ما رويت في السكوت عن الجاهل وعتاب الصديق، فقال:
إني ليهجرني الصديق تجنبا * فأرى بأن لهجره أسبابا وأراه إن عاتبته أغريته * فأي له ترك العتاب عتابا فإذا بليت بجاهل متحكم * يجد الأمور من المحال صوابا أوليته مني السكوت وربما * كان السكوت عن الجواب جوابا