وأربعين ومائة قدم المدينة فقال للربيع: ابعث إلى جعفر بن محمد بن يأتينا به متعبا قتلني الله إن لم أقتله. فتغافل الربيع عنه وتناساه، فأعاد عليه في اليوم الثاني وأغلظ في القوم، فأرسل إليه الربيع، فلما حضر قال له الربيع: يا أبا عبد الله أذكر الله تعالى فإنه قد أرسل لك من لا يدفع شره إلا الله وإني أتخوف عليك.
فقال جعفر: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم إن الربيع دخل به على المنصور، فلما رآه المنصور أغلظ له في القول وقال: يا عدو الله أتخذك أهل العراق إماما يجبون إليك زكاة أموالهم وتلحد في سلطاني وتتبع لي الغوائل قتلني الله إن لم أقتلك. فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إن سليمان أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر، فهؤلاء أنبياء الله وإليهم يرجع نسبك ولك بهم أسوة حسنة.
قال المنصور: أجل يا أبا عبد الله ارتفع إلى هنا عندي. ثم قال: يا أبا عبد الله إن فلانا أخبرني عنك بما قلت لك. فقال: أحضره يا أمير المؤمنين لوافقني على ذلك، فأحضر الرجل الذي سعى به إلى المنصور فقال له المنصور: أحقا ما حكيت لي عن جعفر. فقال: نعم يا أمير المؤمنين. فقال جعفر: حلفه بما تختار فقال له جعفر: قل برئت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتي لقد فعل جعفر كذا وكذا. فامتنع الرجل، فنظر إليه المنصور نظرة منكرة له فحلف بها، فما كان بأسرع من أن ضرب برجله الأرض وخر ميتا مكانه. فقال المنصور: جروا برجله وأخرجوه. ثم قال: لا عليك يا أبا عبد الله أنت البرئ الساحة السليم الناحية المأمون الغالية علي بالطيب، فأتي بالغالية فجعل يفلق بها لحيته إلى أن تركها تقطر وقال: في حفظ الله وكلائته، وألحقه يا ربيع بجوائز حسنة وكسوة سنية.
قال الربيع: فلحقته بذلك ثم قلت: يا أبا عبد الله رأيتك تحرك شفتيك وكلما حركتها سكن غضب المنصور، بأي شئ كنت تحركها؟ قال: بدعاء