جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف (1) من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها (2)، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل! أتئن من حديدة أحماها انسانها للعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه؟ أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟! وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة (3) في وعائها، ومعجونة شنئتها (4) كأنما عجنت بريق حية أو قيئها، فقلت: أصلة، أم زكاة، أم صدقة؟ فكل ذلك (5) محرم علينا أهل البيت! (6) بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين كيف بك لو رأيت أطفالك وأيتام ولدك أبي عبد الله وهم في أشر الذلة ووثاق السبي، يساقون عطاشى جياعا مربطين بالحبال، وأهل الكوفة يتصدقون عليهم وهم في المحامل مقرنين بالأصفاد، فجعلت صبيتكم لشدة جوعهم يتناولون بعض الخبز والتمر والجوز، فصاحت خفرتك وعقيلتك أم كلثوم:
ويلكم يا أهل الكوفة، إن الصدقة علينا حرام، وجعلت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وترمي به إلى الأرض، والناس يبكون على ما أصابهم، فأطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم:
مه يا أهل الكوفة، تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم؟ فالحكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء.