بأبي أنت وأمي يا نبي الرحمة، أخذك الأرق، واعتراك القلق، بوثاق عمك وقد كان مع المحاربين لك، على أنه لم يكن عليلا ولا ظمآنا، ولا أضره الوثاق، ولا كان مفجوعا بأبيه، ولا مرزوءا بجمع أهليه، ولا كان رأس أبيه في أعلى السنان، ولا طافوا به وبنسائه سبايا في البلدان، فكيف بك يا رسول الله لو رأيت مريضك العليل والجامعة في عنقه، والغل في يديه، والقيد في ساقيه، وليتك تراهم وقد اجتمعوا عليه يريدون قتله، فقلبوه عن نطع مسجى عليه، وتركوه على الرمضاء، وحرارة الشمس، وحر المصيبة، وألم السقم، يرى خياما منهوبة، ونساء مسلوبة، ورؤوسا على الرماح مرفوعة، وجثثا تحت سنابك الخيل مرضوضة، يعز عليك يا نبي الله إذ ساقوا ثقلك وحرائرك حتى أدخلوهم على يزيد بن معاوية لعنهما الله وهم مقرونون بالحبال، فلما وقفوا بين يديه قال له سبطك علي بن الحسين عليهما السلام:
أنشدك الله يا يزيد، ما ظنك برسول الله صلى الله عليه وآله لو رآنا على هذه الصفة؟
فأمر اللعين بالحبال فقطعت، ثم وضع رأس ريحانتك بين يديه، وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه، فرأته أم المصائب عليها السلام فأهوت إلى جيبها فشقته، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب:
يا حسيناه، يا حبيب رسول الله، يا بن مكة ومنى، يا بن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، يا بنت المصطفى، فأبكت والله كل من كان حاضرا.
يا ليت عين المصطفى نظرت إلى أم المصائب حولها أيتامها ما بين نائحة وصارخة غدت ترثي كما يرثي الفراخ حمامها لهفي لهاتيك الحرائر أصبحت يقتاد قسرا للئيم زمامها