المنزلة في غير النبي هي الإمامة. وعدم بقاء هارون بعد موسى (عليه السلام) لا يضر هنا، لأن منزلته من موسى (عليه السلام) في وجوب الإطاعة كانت منزلة لا تحتمل الارتفاع على تقدير البقاء من غير بيان كمال فائق حصل لآخر يوجب مزيته ببيان موسى، أو بالمعجزة، أو باعتراف هارون الذي علم صدقه في الأمور بالنبوة، وفي حكاية السقيفة وسيرة الصحابة دلالة واضحة على خلو الواقعة عنها.
ومنع عموم المنزلة لاحتمال كون بعض منازل هارون على تقدير البقاء صيرورته صاحب شرع مطاع بالأصالة لا بالنيابة، وامتناع هذا بالنسبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) لا ينافي (1) ثبوت منزلة النيابة والخلافة له مع بقاء الحال بلا تغيير، وهو كاف لنا، ولا ينافي احتمال أمر يمتنع في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) لو لم يكن باطلا في شأن هارون على تقدير البقاء لوجوب التخصيص، وهذا ليس بعيدا لعدم كونه مما يتبادر من الأحوال، بخلاف وجوب الإطاعة والأولوية في أمر الأمة، لظهور تبادرهما من حديث المنزلة.
وأقول: يمكن تقرير الحديث بوجه آخر، وهو أن يقال: منزلة هارون من موسى (عليه السلام) كانت منزلة تفوق منزلة كل أهل زمانه، لكونه بعد موسى (عليه السلام) أعلم من الكل، وأقرب إلى الله تعالى منهم، فلم يكن لأحد التقدم عليه بحسب الجلالة