من البغي على الإمام، وترغيبهما الناس إليه والسعي في إطفاء ما أوقداه من الحرب والخلاف، والمعذرة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) عما صدر عنهما من القبائح، وإظهار النصرة بأي وجه يأمرهما (عليه السلام).
وترك الأمور المذكورة والهرب عن الحرب من الزبير، لو لم يكن لأغراض باطلة متجددة، مثل التوجه إلى الشام إرجاء السلطنة بتبعية معاوية وغيره إياه، كان منافيا للتوبة عن النكث والبغي وغيرهما، كما لا يخفى، فظهر بما ذكرته أنهما قتلا باغيين ناكثين، مع مزيد في طلحة لكونه مقتولا في معركة الجهاد.
اعلم أنهم ذكروا في توبتهما روايات بعضها موضوع، وبعضها لا يدل على التوبة، بل لا يبعد استنباط الاصرار منه، وبعضها ظاهر في الاصرار على المعصية، وإن ذكر صاحب المغني كلها لإثبات التوبة، خوفا من سراية بغيهما إلى السابقين، لظهور بطلان رواية البشارة التي من الروايات المعتبرة عندهم الدالة على إمامة الثلاثة.
فقال: وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في خطبة له لما بلغه خروج القوم إلى البصرة عند ذكره لهم: كل واحد منهم يدعي الأمر دون صاحبه، لا يرى طلحة إلا أن الخلافة له لأنه ابن عم عائشة، ولا يرى الزبير إلا أنه أحق بالأمر منه لأنه ختن عائشة، والله لئن ظفروا بما يريدون ولا يرون ذلك أبدا، ليضربن طلحة عنق الزبير، والزبير عنق طلحة، ثم قال بعد كلام طويل: والله إن طلحة والزبير ليعلمان أني على الحق وأنهما المخطئان وما يجهلان، ورب عالم قتله جهله ولم ينفعه علمه (1).
نقل صاحب المغني هذه الرواية لإثبات التوبة لا معنى له أصلا، ودلالتها على بغي الرجلين عالمين بالحال لا يحتاج إلى البيان، هذا مما ذكره القاضي في توبة الزبير.