قلت: هذه شبهة ضعيفة نشأت من غير خبير بمواقع الكلام العربي وعارف بتركيبه وتحقيقه أن الإضافة في ترجيع الغناء بيانية لأن الترجيع على الوجه المخصوص هو الغناء وهو أيضا اللحن المخصوص ومد الصوت المطرب وحاصله ترجيع القرآن ترجيعا هو الغناء لا ترجيعا يشابه ترجيع الغناء، وفايدة البيان في الإضافة ظهور الغناء في غير القرآن وشهرته على إنا لو اعتبرنا التشبيه كان معناه ترجيعا مثل ترجيع الغناء المتعارف بين أكثر الناس وكونه غناء ولا يقتضي التشبيه بل إلحاق هذا الفرد الذي ربما يشتبه كونه غناء بالمعنى المتعارف وذلك لتحقق الترجيع فيهما وهذا وإن كان غير محتاج إليه إلا أنه يصلح وجها.
وفي ذكر أهل الفسوق مع الإتيان بلفظ أهل فيه وكذا في الكبائر وتركه في قوله: ترجيع الغناء من غير ذكر الأهل تنبيه على أن الإضافة بيانية وفهم هذا يدرك بالذوق السليم والاطلاع على مواقع الكلام ودقايقه.
وإذا ظهر لك ما ذكرته وتدبرته ظهر لك إن الواسطة غير معقولة وبهذا يندفع أيضا فرض واسطة بين ألحان العرب ولحون أهل الفسوق وأهل الكبائر بل في دلالة وإشارة إلى أن هذه الواسطة هم أهل الفسوق باعتبار ذكر الأهل مكررا وتوسط أهل الفسوق بين أهل الكباير وما تقدمه على أن من الغناء عند الإمامية ما يتحقق في غير ما خصه الغزالي ومتابعوه فمتابعته خروج عما دل عليه العرف وتعريف الغناء عندنا.
ولنا: إن ننفي الواسطة بوجه آخر وهو أنها لا تخلو إما أن يصدق عليها تعريف الغناء أو لا، لا سبيل إلى الثاني لاعترافهم بأن مثله غناء كما تقدم من تصريحهم بأن الغناء من أسباب الجذبة ولما مر من العرف واللغة والأصل عدم النقل.
وقوله عليه السلام لا يجوز تراقيهم: جمع ترقوه وهي معلومة والمعنى والله أعلم أنهم لاشتغالهم بالترجيع والطرب لا يتعدى التراقي فضلا عن أن يصل إلى قلوبهم ليتدبروا معانيه ويتأملوا أوامره ونواهيه ويتعظوا بمواعظه بل يكونون مشتغلين