الرابع: ما رواه أيضا عنه عليه السلام أن رجلا قال له إني أدخل كنيفا ولي جيران عندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهن فقال لا تفعل فقال الرجل والله ما آتيهن وإنما هو سماع أسمعه بأذني فقال لله أنت أما سمعت الله يقول: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) فقال: بلى والله لكأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله من عربي ولا أعجمي ولا جرم إني لا أعود إن شاء الله وإني لأستغفر الله فقال له: قم فاغتسل وسل ما بدا لك فإنك كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك استغفر الله وسله التوبة من كل ما يكره فإنه لا يكره إلا القبيح والقبيح دعه لأهله فإن لكل أهلا (1) ورواه الصدوق والشيخ.
أقول: دلالة هذا الحديث الشريف على تحريم الغناء والنهي عنه وتعظيم أمره المقتضي لكونه من الكبائر والأمر بالتوبة منه والغسل والصلاة ظاهرة مع غاية التأكيد والمبالغة ومع ذلك قد استدل به بعض الصوفية على اختصاص التحريم بما كان مع مصاحبة الضرب بالعود لا مجردا والجواب ظاهر واضح فإن عدم دلالته على مطلق التحريم أو التحريم مطلقا لا يشعر بالجواز مع الانفكاك عن الضرب بالعود بل هو أعم منه على أنه غير صريح في سماع السايل لصوت العود بل يدل على سماعه صوتهن بالغناء كما يدل عليه قوله استماعا مني لهن ولا دلالة له على الاختصاص المذكور بوجه من وجوه الدلالات كما لا يخفى وإنما اتفق السؤال عن الأمرين فلا بد من الجواب بالتحريم والنهي كما ورد على أن في ذلك اعترافا منهم بتحقق الغناء في غير الصورة المذكورة وهم يمنعونه تارة ويعترفون به أخرى وهو خبط كما ترى على أنه لم يتضمن لا مصاحبه ضرب العود فيبقى ما كان معه غيره من آلات اللهو وهم لا يقولون به فأين التخصيص.
وكونه من حمل المطلق عن المقيد لا يخفى فساده وبطلانه ولولا ذكرهم لهذا لما حسن التعرض له إذ ليس فيه شبهة تستحق جوابا ولا ينبغي الزيادة على