الباب الحادي عشر:
في إبطال ما يفعلونه من الذكر الخفي والجلي على ما ابتدعوه.
إعلم أن كل أمر من أمور الدنيا والدين له ثلاث مراتب إفراط وتفريط وعدل بمعنى الزيادة والنقصان والتوسط ولا شك أن الأولين مذمومان قبيحان عقلا وشرعا فهما محرمان في الأمور الدينية والأحكام الشرعية لاستلزامهما مخالفة الشرع وكذا في أمور الدنيا لأن لها أحكاما شرعية فإذا حصلت مخالفتها ثبت التحريم، والطرف الثالث أعني التوسط والعدل هو الممدوح شرعا المحمود عقلا بل هو الواجب وقد قال عليه السلام: الجاهل إما مفرط وإما مفرط (1).
وقال عليه السلام: خير الأمور أوساطها، والشواهد على ذلك كثيرة إذا عرفت ذلك فاعلم أن الصوفية قد خرجوا في جميع ما سلكوا واختصوا به إلى حد الافراط أو التفريط وفي هذا الباب قد خرجوا إلى الحدين معا فتارة يرفعون أصواتهم بالذكر حتى يتجاوز حد العلو لفرط المبالغة والغلو مع الوصول إلى حد الغناء وتارة يخفونه في أنفسهم على وجه لم يرد به شرع بل هو مخترع مبتدع فإنهم يتصورون مجرد خروج حروف لا إله إلا الله من جوانب القلب والباطن على وجه معروف عندهم مفصل بينهم، فيخرجون بعض الحروف قوة لا فعلا ونطقا من الجانب الأيمن وبعضها من الأيسر وبعضها من فوق وبعضها من تحت من غير أن ينطقوا بألسنتهم