إذا عرفت هذا فنقول: الدليل على أن المتكلم فاعل الكلام دوران الاشتقاق معه وجودا وعدما. لا يقال: لو كان البارئ متكلما بهذا التفسير لكان ذا جوارح وأدوات يفعل بها الكلام، لأنه لو فعله خارجا عن ذاته لا في محل كان باطلا بالضرورة، أو في حيوان لم يرجع حكمها إليه تعالى، ولا يصح فعله في جماد كما قلتموه في الإرادة، فتعين أن يكون قائما بذاته، فلو كان كلامه هو الحروف والأصوات المخصوصة لزم أن يكون ذاته محلا للحوادث وهو محال.
لأنا نقول: ما المانع أن يفعل الكلام في غيره من جماد؟ قوله: لا يجوز وجود الكلام في الجماد. قلنا: لا بد لهذا من دليل ولم تذكروه. وتشبيهه بالإرادة قياس من غير جامع، (71) ونحن نذهب إلى نفس ما أنكرتموه، ونقول: إن الله سبحانه يفعل كلامه في الجماد كما أخبر سبحانه في قصة موسى بقوله:
(نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة) (72).
أما الأشعرية فيقال لهم: لو كان البارئ تعالى متكلما بكلام قديم لكان إما جزء ذاته فيلزم التركيب، وإما خارجا عن ذاته فيكون في الوجود قديمان مستقلان وهو باطل.
وأما الحشوية فيقال لهم على تقدير تسليمهم أن الكلام هو الحروف والأصوات المسموعة: لو كان الكلام بهذا الاعتبار قديما لكان إما موجودا دفعة واحدة أو مترتبا، ويلزم من الأول عدم الإفادة ومن الثاني الحدوث.