الوجه الثاني: لو كان العبد فاعلا لتصرفاته، لكان عالما بتفصيل تلك الأفعال، واللازم باطل، فالملزوم مثله، أما الملازمة فلأن الفعل الاختياري يستتبع القصد المرتب على العلم، ضرورة أن من ليس بعالم بالشئ يستحيل قصده إليه. وأما بطلان اللازم فلأن الواحد يحرك إصبعه مثلا بتحرك جميع أجزائها، ففي كل جزء منها حركة، مع أنه لا يعلم عدد تلك الحركات.
الوجه الثالث: ثبت في أبواب التوحيد أنه تعالى قادر على كل مقدور، ومقدورات العباد مما يصح أن يكون مقدورا لله تعالى، لأنها مساوية لمقدوراته في الجنس، والقدرة على أحد الجنسين يجب أن تكون متعلقة بالجنس الآخر، فلو كانت هذه الأفعال واقعة بقدرة العبد وقدرة الله تعالى، لزم وقوع مقدور بقادرين، وإن وقعت بقدرة العبد دون قدرة الله تعالى، مع تعلقها بها، لزم خروجها عن التعلق.
الوجه الرابع: إذا ثبت أن الله تعالى قادر على كل مقدور، فلو كان العبد قادرا على شئ، لزم اشتراك البارئ والعبد في الاقتدار على ذلك الشئ، فلو أراد البارئ إيقاع شئ من تلك الأشياء، وأراد العبد إيقاع ضده، فإن وقع المرادان اجتمع الضدان، وإن وقع مراد الله امتنع وقوع فعل العبد مع قدرته عليه من غير وجه منع، وإن وقع مراد العبد لزم المحذور بعينه.
لا يقال: الله سبحانه أقوى في الاقتدار من حيث هو قادر بالقدرة القديمة. لأنا نقول: إذا تساويا في الاقتدار على ذلك الشئ لزم هذا المحذور، وإن كان البارئ قادرا لذاته وبالقدرة القديمة، والعبد قادر بالقدرة المحدثة.