ذلك، اختلفوا في معناه، فذهب أبو هاشم وأتباعه (29) إلى أن له بكل واحد منهما وصفا زائدا على كونه عالما. وقال البغداديون: المرجع به إلى الداعي الخالص إلى الفعل. وقال غيرهم: إن المعنى بذلك غير ساه عن ما يفعله، ومريد لفعل غيره، بمعنى أنه آمر به.
واحتج أبو هاشم بأن الواحد منا يجد نفسه على حال عند قصده إلى أفعاله وجدانا ضروريا، وليس المرجع بذلك إلى كونه عالما، لأن ذلك يكون قبل حصول ذلك القصد، فلا بد من إثبات حال زائدة، ثم يسوون بينه تعالى وبين الواحد منا في تلك الحال.
وربما استدلوا على ذلك بأنه أمر ونهى، وكل واحد منهما لا يكون كذلك إلا بالإرادة في الأمر والكراهة في النهي، ثم يعللون تلك الحال في حق الواحد منا بإرادة يفعلها في قلبه، وفي حق البارئ بإرادة يفعلها لا في محل، لاستحالة قيام الإرادة بذاته، إذ ليس محلا للحوادث، ولا في غيره من جماد لافتقارها إلى محل الحياة، ولا في حي لأن ذلك يمنع من رجوع حكمها إليه تعالى، فوجب أن تكون لا في محل.
والنافون لهذه الحال قالوا: لو كان مريدا بإرادة لكان ذلك باطلا، لاستحالة قيام الإرادة بذاته وبغيره، وكما يستحيل ذلك يستحيل وجودها لا في محل، كما يستحيل وجود السواد لا في محل.
والأظهر رجوع ذلك إلى الداعي الخالص إلى الفعل.