المسلك في أصول الدين - المحقق الحلي - الصفحة ٢٦٠
بل كما جاز أن يكون الإرشاد إلى الإسلام خارجا عن ذلك، لكونه يبتغي به وجه الله، جاز أن تكون تربية النبي - عليه السلام - له كذلك، فإن إحسان النبي - عليه السلام - لم يكن لعوض، بل لله محضا، فهو داخل في ذلك.
على أنا لا نسلم أنه أراد ما ذهب إليه المستدل، إذ من الجائز أن يكون أراد الإخبار بأنه يؤتي ماله يتزكى مع أنه ليس لأحد عليه نعمة يجازيه عليها بتزكيته عليه، (36) ومع هذا الاحتمال يسقط ما ذكروه.
وعن الخامس: سلمنا أن الصحابة خاطبته، لكن ما المانع أن يكون ذلك تبعا لتسمية الناس له؟ كما يقال، عظيم الروم أي الذي يسمونه عظيما.
وكما قال تعالى: (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا) (37) على أنا لم نستبن أن عليا - عليه السلام - خاطبه بذلك من طريق مسكون إليه، وإنما هي أخبار آحاد شاذة. ولو سلمنا ذلك لكان الحال فيه كما ذكرنا في عذر الصحابة، ولو لم يكن كذلك لأمكن أن يكون تلفظ بذلك تقية.
قوله: التقية مرتفعة لإمكان أن يخاطبه بغير ذلك. قلنا لا نسلم لأن ذلك كان هو المراد، فلم يتمكن من اطراحه عند الخطاب، وكيف وقد أخرج من منزله يقاد قهرا بعد أن قالوا: إن لم تخرج أحرقنا عليك بيتك (38).

(36) هذا الاحتمال هو الظاهر المستفاد من الآية والاحتمال الآخر ضعيف في الغاية، والمؤلف - رحمه الله - ليس بصدد تفسير الآية، بل مقصودة رده كلام الخصم كما لا يخفى.
(37) سورة طه، الآية 97.
(38) قال ابن قتيبة في كتابه " الإمامة والسياسة ": إن أبا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة. فقال: وإن. فخرجوا فبايعوا إلا علي...
وفي تاريخ الطبري عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة...
راجع الطبري 3 / 202 والإمامة والسياسة 1 / 19 - 20 وفاطمة الزهراء للرحماني 519.
وفي الأصل هكذا: " بعد أن قالوا إن لم تخرج وإلا حرقنا عليك بيتك " وما أثبتناه هو الصحيح ظاهرا.
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»
الفهرست