ولكنها لما قلت في مصادر الواو وكثرت في مصادر الياء ألحقوها بالذي هو أكثر مجيئا منها، إذ كانت الواو والياء متقاربتي المخرج. قال: وكان الخليل يقول كينونة فيعولة هي في الأصل كيونونة، التقت منها ياء وواو والأولى منهما ساكنة فصيرتا ياء مشددة مثل ما قالوا الهين من هنت، ثم خففوها فقالوا كينونة كما قالوا هين لين، قال الفراء: وقد ذهب مذهبا إلا أن القول عندي هو الأول، وقول الحسن بن عرفطة، جاهلي:
لم يك الحق سوى أن هاجه رسم دار قد تعفى بالسرر إنما أراد: لم يكن الحق، فحذف النون لالتقاء الساكنين، وكان حكمه إذا وقعت النون موقعا تحرك فيه فتقوى بالحركة أن لا يحذفها لأنها بحركتها قد فارقت شبه حروف اللين، إذ كن لا يكن إلا سواكن، وحذف النون من يكن أقبح من حذف التنوين ونون التثنية والجمع، لأن نون يكن أصل وهي لام الفعل، والتنوين والنون زائدان، فالحذف منهما أسهل منه في لام الفعل، وحذف النون أيضا من يكن أقبح من حذف النون من قوله: غير الذي قد يقال ملكذب، لأن أصله يكون قد حذفت منه الواو لالتقاء الساكنين، فإذا حذفت منه النون أيضا لالتقاء الساكنين أجحفت به لتوالي الحذفين، لا سيما من وجه واحد، قال: ولك أيضا أن تقول إن من حرف، والحذف في الحرف ضعيف إلا مع التضعيف، نحو إن ورب، قال: هذا قول ابن جني، قال: وأرى أنا شيئا غير ذلك، وهو أن يكون جاء بالحق بعدما حذف النون من يكن، فصار يك مثل قوله عز وجل: ولم يك شيئا، فلما قدره يك، جاء بالحق بعدما جاز الحذف في النون، وهي ساكنة تخفيفا، فبقي محذوفا بحاله فقال: لم يك الحق، ولو قدره يكن فبقي محذوفا، ثم جاء بالحق لوجب أن يكسر لالتقاء الساكنين فيقوى بالحركة، فلا يجد سبيلا إلى حذفها إلا مستكرها، فكان يجب أن يقول لم يكن الحق، ومثله قول الخنجر بن صخر الأسدي:
فإن لا تك المرآة أبدت وسامة، فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم يريد: فإن لا تكن المرآة. وقال الجوهري: لم يك أصله يكون، فلما دخلت عليها لم جزمتها فالتقى ساكنان فحذفت الواو فبقي لم يكن، فلما كثر استعماله حذفوا النون تخفيفا، فإذا تحركت أثبتوها، قالوا لم يكن الرجل، وأجاز يونس حذفها مع الحركة، وأنشد:
إذا لم تك الحاجات من همة الفتى، فليس بمغن عنك عقد الرتائم ومثله ما حكاه قطرب: أن يونس أجاز لم يك الرجل منطلقا، وأنشد بيت الحسن بن عرفطة:
لم يك الحق سوى أن هاجه والكائنة: الحادثة. وحكى سيبويه: أنا أعرفك مذ كنت أي مذ خلقت، والمعنيان متقاربان. ابن الأعرابي: التكون التحرك، تقول العرب لمن تشنؤه: لا كان ولا تكون، لا كان: لا خلق، ولا تكون: لا تحرك أي مات. والكائنة: الأمر الحادث. وكونه فتكون: أحدثه فحدث. وفي الحديث: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتكونني، وفي رواية: لا يتكون على صورتي (* قوله على صورتي كذا بالأصل، والذي في نسخ النهاية: في صورتي، أي يتشبه بي ويتصور بصورتي، وحقيقته يصير كائنا في صورتي). وكون الشئ: أحدثه.