والمثال الذي أورده المصنف من الكتاب العزيز أعني قوله تعالى: " إنا كل شئ خلقناه بقدر " (1)، لا يتفاوت فيه المعنى كما يتفاوت في مثالنا، سواء جعلت الفعل خبرا أو صفة، فلا يصلح، إذن، للتمثيل وذلك لان مراده تعالى بكل شئ: كل مخلوق، نصبت " كل " أو رفعته، وسواء جعلت " خلقناه " صفة، مع الرفع أو خبرا عنه.
وذلك أن قوله تعالى خلقنا كل شئ بقدر، لا يريد به خلقنا كل ما يقع عليه اسم " شئ "، فكل شئ في هذه الآية ليس كما في قوله تعالى: " والله على كل شئ قدير " (2)، لان معناه أنه قادر على كل ممكن غير متناه.
فإذا تقرر هذا قلنا: ان معنى: كل شئ خلقناه بقدر، على أن " خلقناه " هو الخبر:
كل مخلوق: مخلوق بقدر، وعلى أن " خلقناه " صفة: كل شئ مخلوق: كائن بقدر، والمعنيان واحد، إذ لفظ كل شئ، في الآية مختص بالمخلوقات، سواء كان خلقناه صفة له، أو خبرا، وليس مع التقدير الأول أعم منه مع التقدير الثاني كما كان في مثالنا (3).
ويختار النصب، أيضا، إذا كان الكلام جوابا عن استفهام بجملة فعلية، كما إذا قيل: أرأيت أحدا، أو أيهم، أو غلام أيهم رأيت، فتقول: زيدا رايته، وإنما كان النصب أولى ليطابق الجواب السؤال في كونهما فعليتين.
وكذا إذا قيل: أضارب الزيدان أحدا، قلت: زيدا يضربان، لان معناه: أيضرب الزيدان أحدا، فهو مقدر بالفعلية.
واختار الكسائي النصب إذا كان الاسم المحدود بعد اسم هو فاعل في المعنى، نحو:
زيد هندا يضربها، فزيد في المعنى هو الضارب، وإن كان في اللفظ مبتدأ، فنصب " هند " أولى، لأنه كأنه قيل: يضرب زيد هندا.