التبن، والتي سميت فيما بعد (بمقابر قريش) لكثرة ما دفن فيها من بني هاشم وبني العباس من أمراء ووزراء وأعيان، فقد عمرت المنطقة شيئا فشيئا وأصبحت قرية عامرة يسكنها الموالون لأهل البيت لمجاورة المرقدين.
ثم شيد على المرقدين بناية وبداخلها ضريحان للإمامين منفصلين عن بعضهما، ولا نعلم على وجه التحديد أي سنة تم البناء الأول. وقبل أن يتم بناء حرم للقبرين الشريفين كان هناك مسجد عامر يقصده الزوار والقاطنون بالقرب من المنطقة؛ لأداء طقوسهم الدينية، وأداء الفرائض، يعرف بمسجد باب التبن.
في سنة (336 ه / 947 م) شيد أول بناء ضخم بشكل مزار للمرقدين الطاهرين وقد تم ذلك بأمر معز الدولة أمير الأمراء أبي الحسين أحمد بن بويه المتوفى سنة (356 ه / 967 م). فقد أزيلت العمارة الأولى، ورفع الضريحان الأوليان، ووضع على القبرين الشريفين مكانهما ضريحان صنعا من الخشب الساج المزين، وبني عليه عمارة جليلة تعلوها قبتين بديعتين، وهما أول قبتين توضعان على ضريح الإمامين (عليهما السلام)، وزينت العمارة ببعض المعلقات النفيسة على جدرانها، ووضعت بداخلها القناديل، كما وكل إلى ثلاثة من الجنود للخدمة، والمحافظة على المرقد الطاهر، ولتأمين سلامة الزائرين.
ومن هذا الوقت بدأ للناس عهد جديد بزيارة الإمامين، فازداد المجاورون للمشهد الشريف تبعا لذلك، وكثرت زواره بشكل ملحوظ جدا.
وكان معز الدولة قد اتخذ له بيتا فخما جوار الإمامين، فكان يقصدهما للزيارة كل ليلة جمعة مع وزرائه وأعيان دولته، يبيتون فيه ليلتهم تلك ثم يغادره نهارها بعد تجديد الزيارة ووداع الإمامين (عليهما السلام).
وفي سنة (352 ه / 963 م) أمر معز الدولة بإقامة العزاء لسيد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) في شهر محرم الحرام، فكان هذا أول مأتم يقام لسيد الشهداء