فبكى المأمون طويلا، وخر ساجدا، وقال: ما بقي مع هذا شيء إن هذا لعبرة للأولين والآخرين، الحمد لله الذي لم يبتلني بدمه، ووهب لياسر ألف دينار.
وقال: يا ياسر، كلما كان من مجيء هذه الملعونة إلي، وبكائها بين يدي، وركوبي إليه، وأخذي السيف، ودخولي عليه فإني ذاكر له. وأما مصيري إليه، وخروجي عنه فلا أذكر شيئا غيره، ولا أذكر أيضا انصرافي إلى مجلسي، فكيف كان أمري وذهابي إليه؟ فقال ياسر: والله ما زلت تضربه بالسيف وأنا وهذه ننظر إليك وإليه حتى قطعته قطعة قطعة، ثم وضعت سيفك على حلقه فذبحته، وأنت تزبد كما يزبد البعير.
قال (لي: والله لئن عدت بعدها في شيء مما جرى لأقتلنك) لعنة الله على هذه الابنة لعنا وبيلا، تقدم [يا ياسر] إليها، وقل لها: يقول لك أبوك: والله لئن جئتني بعد هذا اليوم، وشكوت منه أو خرجت بغير إذنه لأنتقمن له منك، ثم سر إلى ابن الرضا وأبلغه عني السلام، واحمل إليه عشرة آلاف (عشرين ألف) (1) دينار، وقدم إليه الشهري (2) الذي ركبته البارحة، وابعث إلى الهاشميين والأشراف والقواد ليركبوا معه إلى عندي، ويبدأوا بالدخول إليه، والتسليم عليه.
قال ياسر: فأمرت لهم بذلك، ودخلت أنا أيضا معهم، وسلمت عليه، وأبغلت التسليم، ووضعت المال بين يديه، وعرضت الشهري عليه، فنظر إليه ساعة، ثم تبسم فقال: " يا ياسر هكذا كان العهد بينه وبين أبي، وبيني وبينه حتى يهجم علي بالسيف؟! أما علم أن لي ناصرا وحاجزا يحجز بيني وبينه؟ ".
(فقال ياسر: ما شعر والله، فدع عنه عتابك، فإنه لن يسكر أبدا.