ثم ركب حتى أتى إلى والدي فرحب به والدي وضمه إلى نفسه، وقال: أن كنت وجدت علي فاعف عني واصفح، فقال: " ما وجدت شيئا، وما كان إلا خيرا "، فقال المأمون: لأتقربن إليه بخراج الشرق والغرب، ولأهلكن أعداءه كفارة لما صدر مني. ثم أذن للناس ودعا بالمائدة) (1).
فقلت: يا سيدي يا بن رسول الله، دع عنك هذا العتاب، فوالله وحق جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان يعقل شيئا من أمره، وما علم أين هو من أرض الله، وقد نذر لله نذرا صادقا، وحلف أن لا يسكر بعد ذلك أبدا، فإن ذلك من حبائل الشيطان، فإذا أنت يا بن رسول الله أتيته فلا تذكر له شيئا ولا تعاتبه على ما كان منه.
فقال (عليه السلام): " هكذا كان عزمي ورأيي والله ".
فأذن [الإمام] للأشراف كلهم بالدخول [عليه] إلا عبد الله وحمزة ابني الحسن، لأنهما كانا وقعا فيه عند المأمون، وسعيا به مرة بعد أخرى. ثم دعا بثيابه ولبس، وقام فركب، وقام معه الناس أجمعون حتى دخل على المأمون، فلما رآه قام إليه فتلقاه، وقبل ما بين عينيه، وضمه إلى صدره، ورحب به، وأقعده على المقعد في الصدر، وأمر أن يجلس الناس ناحية، ولم يأذن لأحد في الدخول عليه، فجعل يعتذر إليه، ولم يزل يحدثه ويسامره، فلما انقضى ذلك، قال له أبو جعفر (عليه السلام): " يا أمير المؤمنين "، قال: لبيك وسعديك، قال: " لك عندي نصيحة فاقبلها (فاسمعها مني) "، قال: بالحمد والشكر، فما ذاك يا بن رسول الله؟ قال:
" أشير عليك بترك الشراب المسكر "، قال: فداك ابن عمك، قد قبلت نصيحتك (2).