ثم خرج من عنده وهو يزبد مثل الجمل. قالت: فلما رأيت ذلك هربت على وجهي، حتى رجعت إلى منزل أبي، فبت بليلة لم أنم فيها إلى أن أصبحت.
قالت: فلما أصبحت، دخلت إليه وهو يصلي - وقد أفاق من السكر - (فلما ارتفع النهار أتيت أبي) فقلت له: يا أمير المؤمنين هل تعلم ما صنعت البارحة؟
قال: لا والله فما الذي صنعت ويلك؟! قلت: فإنك صرت إلى ابن الرضا وهو نائم فقطعته إربا إربا، وذبحته بسيفك وخرجت من عنده. فبرق عينه وغشي عليه، ثم أفاق بعد حين، وقال: ويلك ما تقولين؟! قلت: نعم والله يا أبت، دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسيف حتى قتلته، فاضطرب من ذلك اضطرابا شديدا، وقال: علي بياسر الخادم، فجاء ياسر، فنظر إليه المأمون، وقال: ويلك! ما هذا الذي تقوله هذه الملعونة؟ قال: صدقت يا أمير المؤمنين، فضرب بيده إلى صدره وخده، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون هلكنا والله وعطبنا، وافتضحنا إلى آخر الأبد. ويلك يا ياسر! بادر إليه فانظر ما الخبر والقصة عنه؟ وعجل علي بالخبر، فإن نفسي تكاد أن تخرج الساعة.
فخرج ياسر، وأنا ألطم حر وجهي، فما كان بأسرع من أن رجع، فقال: يا أمير المؤمنين البشرى! قال: لك البشرى، فما عندك؟ قال ياسر: دخلت عليه فإذا هو جالس وعليه قميص ودواج (1)، وهو يستاك، فسلمت عليه، فبقيت متحيرا في أمره، ثم أردت أن أنظر إلى بدنه، هل فيه شيء من الأثر؟ فقلت: يا بن رسول الله، أحب أن تهب لي هذا القميص الذي عليك لأتبرك به وأصلي فيه. فنظر إلي وتبسم كأنه علم ما أردت بذلك، فقال: " أكسوك كسوة فاخرة "، فقلت:
لست أريد غير هذا القميص الذي عليك، فخلعه وكشف بدنه كله، فوالله كأنه العاج الذي مسه صفرة، ما به أثر.