ولا يبقى بعد هاتين المسألتين أدنى ريب في ترك بعض ما يرويه الغلاة من خوارق مما لا يناسب مقام الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ولا ينسجم مع منهجهم الرسالي القويم في إثبات الحق بالحجة القاطعة والبرهان الساطع، ففي نفس الحديث المتقدم: قال له المأمون: يا أبا الحسن، بلغني أن قوما يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحد، فقال له الإمام الرضا (عليه السلام): حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا ترفعوني فوق حقي، فإن الله تبارك وتعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا... إلى أن قال (عليه السلام): وإنا لنبرأ إلى الله عز وجل ممن يغلو فينا، فيرفعنا فوق حدنا، كبراءة عيسى بن مريم (عليه السلام) من النصارى، قال الله عز وجل: ﴿وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله﴾ (1). إلى أن قال (عليه السلام): فمن ادعى للأنبياء ربوبية، أو ادعى للأئمة ربوبية أو نبوة، أو لغير الأئمة إمامة، فنحن منه براء في الدنيا والآخرة (2). وفي هذا وضع الإمام الرضا (عليه السلام) حدا فاصلا بين درجة الغلو والاعتدال. ولا ريب أنه في النصوص الصريحة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) على إمامتهم (عليهم السلام) وما امتازوا به من مؤهلات وقابليات فاقت أهل زمانهم، كفاية لمن شاء أن يعرف الحق بقناعة ووضوح.
هذا مع الاعتراف بأن لهم (عليهم السلام) القدرة على إتيان المعجز وأي عمل خارق بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وعندما تقتضيه المصلحة الرسالية العامة، وهو ما ينسجم مع اعتقادنا بأن الإمامة منصب إلهي وهو امتداد لمنصب الرسالة، إلا أنها خلو