أمير المؤمنين فارقته وخالفته وكنت أشد الناس عليه، وأنا بعد خال به، ومشير عليه بطاعة أمير المؤمنين، ومناصحته والإقامة معه، وفي ذلك حظه ورشده، فقمت من عنده وأردت الرجوع إلى علي (عليه السلام) لأعلمه الذي كان، ثم اطمأننت إلى قول صاحبي، فرجعت إلى منزلي فبت به ثم أصبحت، فلما ارتفع النهار أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فجلست عنده ساعة وأنا أريد أن أحدثه بالذي كان من قوله لي على خلوة، فأطلت الجلوس فلم يزدد الناس إلا كثرة، فدنوت منه فجلست وراءه فأصغى إلي برأسه، فأخبرته بما سمعت من الخريت، وما قلت لابن عمه، وما رد علي.
فقال (عليه السلام): دعه؛ فإن قبل الحق ورجع عرفنا ذلك له وقبلناه منه، وإن أبى طلبناه، فقلت: يا أمير المؤمنين، فلم لا تأخذه الآن فتستوثق منه؟ فقال: إنا لو فعلنا هذا لكل من نتهمه من الناس ملأنا السجون منهم، ولا أراني يسعني الوثوب على الناس والحبس لهم وعقوبتهم حتى يظهروا لنا الخلاف.
قال: فسكت عنه وتنحيت فجلست مع أصحابي، ثم مكثت ما شاء الله معهم، ثم قال لي علي (عليه السلام): ادن مني فدنوت منه، ثم قال لي مسرا: اذهب إلى منزل الرجل فأعلم لي ما فعل؛ فإنه قل يوم لم يكن يأتيني فيه إلا قبل هذه الساعة، قال: فأتيت منزله فإذا ليس في منزله منهم ديار، فدرت على أبواب دور أخرى كان فيها طائفة أخرى من أصحابه فإذا ليس فيها داع ولا مجيب، فأقبلت إلى علي (عليه السلام) فقال لي حين رآني: أأمنوا فقطنوا أم جبنوا فظعنوا؟ قلت: بل ظعنوا، قال: أبعدهم الله كما بعدت ثمود، أما والله لو قد أشرعت لهم الأسنة، وصبت على هامهم السيوف، لقد ندموا، إن الشيطان قد استهواهم فأضلهم وهو غدا متبرئ