فقال الخريت: فإني عائد عليك غدا، فقال له علي (عليه السلام): اغد ولا يستهوينك الشيطان، ولا يتقحمن بك رأي السوء، ولا يستخفنك الجهلاء الذين لا يعلمون، فوالله لئن استرشدتني واستنصحتني وقبلت مني لأهدينك سبيل الرشاد، فخرج الخريت من عنده منصرفا إلى أهله.
قال عبد الله بن قعين: فعجلت في أثره مسرعا، وكان لي من بني عمه صديق، فأردت أن ألقى ابن عمه في ذلك، فأعلمه بما كان من قوله لأمير المؤمنين، وما رد عليه، وآمر ابن عمه ذلك أن يشتد بلسانه عليه، وأن يأمره بطاعة أمير المؤمنين ومناصحته، ويخبره أن ذلك خير له في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.
قال: فخرجت حتى انتهيت إلى منزله وقد سبقني، فقمت عند باب داره وفي داره رجال من أصحابه لم يكونوا شهدوا معه دخوله على علي (عليه السلام)، فوالله ما رجع ولا ندم على ما قال لأمير المؤمنين وما رد عليه، ثم قال لهم: يا هؤلاء! إني قد رأيت أن أفارق هذا الرجل، وقد فارقته على أن أرجع إليه من غد ولا أراني إلا مفارقه، فقال أكثر أصحابه: لا تفعل حتى تأتيه، فإن أتاك بأمر تعرفه قبلت منه، وإن كانت الأخرى فما أقدرك على فراقه! فقال لهم: نعم ما رأيتم.
قال: ثم استأذنت عليهم فأذنوا لي، فأقبلت على ابن عمه وهو مدرك بن الريان الناجي، وكان من كبراء العرب، فقلت له: إن لك علي حقا لإخائك وودك، ولحق المسلم على المسلم؛ إن ابن عمك كان منه ما قد ذكر لك، فاخل به واردد عليه رأيه، وعظم عليه ما أتى، واعلم أنني خائف إن فارق أمير المؤمنين أن يقتلك ونفسه وعشيرته.
فقال: جزاك الله خيرا من أخ؛ فقد نصحت وأشفقت، إن أراد صاحبي فراق