رويدا يسفر الظلام، كأن قد وردت الأظعان، يوشك من أسرع أن يلحق!
واعلم أن من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن كان واقفا، ويقطع المسافة وإن كان مقيما وادعا.
واعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك، وأنك في سبيل من كان قبلك. فخفض في الطلب، وأجمل في المكتسب فإنه رب طلب قد جر إلى حرب، فليس كل طالب بمرزوق، ولا كل مجمل بمحروم. وأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا. ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا. وما خير خير لا ينال إلا بشر، ويسر لا ينال إلا بعسر.
وإياك أن توجف بك مطايا الطمع، فتوردك مناهل الهلكة. وإن استطعت ألا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك وآخذ سهمك. وإن اليسير من الله سبحانه أعظم وأكرم من الكثير من خلقه وإن كان كل منه.
وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك، وحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء (1)، وحفظ ما في يديك أحب إلي من طلب ما في يد غيرك.
ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس. والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور. والمرء أحفظ لسره. ورب ساع فيما يضره! من أكثر أهجر. ومن تفكر أبصر. قارن أهل الخير تكن منهم. وباين أهل الشر تبن عنهم. بئس الطعام الحرام! وظلم الضعيف أفحش الظلم! إذا كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا. ربما كان الدواء داء. وربما نصح غير الناصح، وغش المستنصح. وإياك واتكالك على