نفسك، وفراغ نظرك وفكرك، فاعلم أنك إنما تخبط العشواء (1)، وتورط الظلماء.
وليس طالب الدين من خبط أو خلط، والإمساك عن ذلك أمثل.
فتفهم يا بني وصيتي، واعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة، وأن الخالق هو المميت، وأن المفني هو المعيد، وأن المبتلي هو المعافي، وأن الدنيا لم تكن لتستقر إلا على ما جعلها الله عليه من النعماء، والابتلاء، والجزاء في المعاد أو ما شاء مما لا نعلم، فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك به، فإنك أول ما خلقت خلقت جاهلا ثم علمت. وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك، ويضل فيه بصرك! ثم تبصره بعد ذلك، فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسواك، وليكن له تعبدك وإليه رغبتك ومنه شفقتك.
واعلم يا بني أن أحدا لم ينبئ عن الله كما أنبأ عنه الرسول (صلى الله عليه وآله) فارض به رائدا، وإلى النجاة قائدا، فإني لم آلك نصيحة. وإنك لن تبلغ في النظر لنفسك - وإن اجتهدت - مبلغ نظري لك.
واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضاده في ملكه أحد، ولا يزول أبدا ولم يزل. أول قبل الأشياء بلا أولية، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية. عظم عن أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر. فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره، وقلة مقدرته، وكثرة عجزه؛ وعظيم حاجته إلى ربه في طلب طاعته، والرهبة من عقوبته، والشفقة من سخطه؛ فإنه لم يأمرك إلا بحسن، ولم ينهك إلا عن قبيح.