أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك، وبقيت بعدهم كقرن أعضب.
أنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت؟ أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه؟ أم هل تراهم ذكرت خيرا أهملوه وعلمت شيئا جهلوه؟ بل حظيت بما حل من حالك في صدور العامة وكلفهم (1) بك، إذ صاروا يقتدون برأيك ويعملون بأمرك. إن أحللت أحلوا وإن حرمت حرموا، وليس ذلك عندك، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك، [و] ذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم، وحب الرئاسة وطلب الدنيا منك ومنهم. أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟! قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت، أو يدركوا به مثل الذي أدركت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه، وفي بلاء لا يقدر قدره، فالله لنا ولك وهو المستعان.
أما بعد، فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين، الذين دفنوا في أسمالهم، لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب، ولا تفتنهم الدنيا ولا يفتنون بها، رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا. فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ - مع كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك - فكيف يسلم الحدث في سنه، الجاهل في علمه، المأفون في رأيه، المدخول في عقله؟! إنا لله وإنا إليه راجعون. على من المعول؟ وعند من المستعتب؟ نشكو إلى الله بثنا وما نرى فيك، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك.
فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا؟ وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا؟ وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في