قبل أن يغضبوه، وذلك من علم اليقين وعلم التقوى. وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه.
وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية.
وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون (1)، فأوردوهم الهوى، وأصدروهم إلى الردئ، وغيروا عرى الدين، ثم ورثوه في السفه والصبا (2)، فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون، فبئس للظالمين بدلا ولآية الناس (3) بعد ولاية الله، وثواب الناس بعد ثواب الله ، ورضا الناس بعد رضا الله، فأصبحت الأمة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة، معجبون مفتونون، فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم.
وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين، إن نبيا من الأنبياء كان يستكمل الطاعة، ثم يعصي الله تبارك وتعالى في الباب الواحد، فخرج به من الجنة (4). و (5) ينبذ به في بطن الحوت، ثم لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة. فاعرف أشباه الأحبار والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين.