فاطمة (عليها السلام) بعد أن رجعت من المسجد تغيرت على علي (عليه السلام) بكلمات فظة ذكرت في آخر الخطبة الشريفة السابقة تغيرا لم ير مثله منها في مدة عمرها، وتكلم علي (عليه السلام) في جوابها بما يشتمل على نوع من التسلية، وكانت (عليها السلام) تجزع لأجل فدك إلى آخر عمرها.
وما فعلت بالنسبة إلى علي (عليه السلام) تلك الجرأة والجسارة مع علمها بأنه إمام مفترض الطاعة، ولا يليق بمثله هذه المخاطبة من مثلها إلا لإبداء شناعة ما فعله أبو بكر من تلك الفعلة الفظيعة على الأمة، وإثبات كفر العمرين كما فعل موسى (عليه السلام) بأخيه من الأخذ بلحيته والضرب على رأسه حتى يعلم القوم شناعة عبادة العجل.
وكيف كانت هي لا تعلم حقيقة المسألة، وهي من معادن النبوة والوحي والرسالة والعصمة والطهارة، محدثة عالمة بالجفر والجامعة، وكان العمران عالمين بوجه المسألة؟! وهل هذا التمحل إلا عنادا أو مكابرة، مع أنه كان ذلك الأمر بمحضر علي والحسنين (عليهم السلام)، فلم لم يعرفوها حكم المسألة، ولم يمنعوها عن الخروج إلى المسجد في محضر الخاصة والعامة؟.
ولو كانت بعد الرجوع ساكتة فما كانت تلك المنازعة مع علي (عليه السلام)، والتغير في وجهه، والشكاية من القوم إلى الوفاة جازعة في كل حال من الحالات، وقد خطب علي (عليه السلام) بسبعة أيام قبل موته خطبة مذكورة في نهج البلاغة، وفيها: (بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ونعم الحكم الله...) (1) إلى آخر الخطبة.
وقد روي في الروايات الكثيرة من طرق العامة والخاصة انها أوصت إلى علي (عليه السلام) أن يدفنها ليلا حتى لا يحضر العمران على صلاتها وتشييعها، ولا يعرفا قبرها ولا يزوراها، كما لم تأذن أن يعوداها في مرضها.