بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم، بل هو القلم الحقيقي حيث وجد فيه روح القلم وحقيقته وحده من دون أن يكون معه ما هو خارج عنه.
وكذلك الميزان مثلا فإنه موضوع لمعيار يعرف به المقادير وهكذا، وله معنى واحد هو حقيقته وروحه، وله قوالب مختلفة وصور شتى بعضها جسماني وبعضها روحاني، كما يوزن به الأجرام والأثقال مثل ذي الكفتين والقبان وما يجري مجراهما، وما يوزن به الشعر كالعروض، وما يوزن به الفلسفة كالمنطق، وما يوزن به بعض المدركات كالحس والخيال، وما يوزن به العلوم والأعمال كما يوضع ليوم القيامة، وما يوزن به الكل كالعقل الكامل، إلى غير ذلك من الموازين.
وبالجملة ميزان كل شئ يكون من جنسه، ولفظة الميزان حقيقة في كل منها باعتبار حد وحقيقة فيه، وعلى هذا القياس كل لفظ ومعنى. انتهى ما ذكره (1).
وأنا أقول: يمكن أن يقال ان جميع الصور الثلاثة التي صححها القوم كلها باطلة، وليس وضع الألفاظ مطلقا الا من باب الوضع الخاص والموضوع له العام الذي أبطلوه بالمرة، مثلا لوحظ في وضع الانسان أولا فرد من أفراده أو أكثر، وجعل الملحوظ عنوانا لكلية فوضع لفظ الانسان بإزاء هذا الكلي، إذ بدون رؤية شئ من أفراده لا يتصور الصورة النوعية الكلية.
وعند وضع لفظ (هذا) مثلا لوحظ فرد مشار إليه، ووضع اللفظ بإزاء كليه، ولو بملاحظة اعتبار تحقق الكلي في ضمن كل فرد منه بعد ذلك، ولوحظ في وضع لفظ (زيد) مثلا هذا الشخص الخاص، ووضع اللفظ بإزاء كلي هذا الشخص باعتبار تعدد حالاته في الأزمنة والأمكنة وغير ذلك، ولذا يصدق لفظ (زيد) حقيقة عليه في كل من الحالات المختلفة.
وصدق القرآن حقيقة على جميع هذه الأفراد الملفوظة أو المكتوبة انما هو مبتن على المقدمة المذكورة، إذ القرآن النازل أولا من القلم إلى اللوح لوحظ على هيئة الخاصة، ووضع لفظ القرآن لكل ذلك الفرد الملحوظ، ولو باعتبار وجوده في