مثلا، زعما منهم ان كل معنى لوحظ في حال الوضع لابد أن يكون هو الموضوع له، ولا معنى بل لا وجه في تصور معنى هناك، وجعله عنوانا لمعنى آخر ووضع اللفظ بإزائه.
فبقى الأمر كذلك إلى زمان السيد الشريف، الملقب بأستاذ البشر، والعقل الحادي عشر، فجوز هو الوضع العام والموضوع له الخاص، بملاحظة صحة جعل الكلي عنوانا لأفراده الغير المحصورة، وجعل منه المبهمات الثلاثة.
واشتهر هذا بعده في كلمات المتأخرين، فأجمعوا على صحة الأقسام الثلاثة، وعلى عدم صحة القسم الرابع، أي الوضع الخاص والموضوع له العام، بملاحظة ان الخاص أمر جزئي لا يمكن أن يكون آلة لملاحظة الكلي بخلاف عكس القضية، فان الكلي لكونه أمرا عاما شاملا لأفراده يجوز جعله آلة لملاحظة جزئياته، وتفصيل الحال محقق في الأصول.
ولكن الحكماء بنوا على صحة القسم الرابع أيضا، بأنه يجوز أن يجعل الجزئي عنوانا للكلي أيضا، مثلا بأن يجعل قطرة من الماء أو كوز منه عنوانا لملاحظة كلي الماء، فان الجزئي بعد طرح مشخصاته اعتبارا يكون هو الكلي لا محالة، فان زيدا بعد عدم اعتبار خصوصيته بلا اعتبار عدمها يرجع إلى كلي الماهية الانسانية.
ولذا ذكر في مقدمات التفسير الصافي ان الألفاظ موضوعة للمعاني الكلية، فقال: ان لكل معنى من المعاني حقيقة وروحا، وله صورة وقالب، وقد يتعدد الصور والقوالب لحقيقة واحدة، وانما وضعت الألفاظ للحقائق والأرواح، ولوجودهما في القوالب تستعمل الألفاظ فيهما على الحقيقة لا تحاد ما بينهما.
مثلا لفظ القلم انما وضع لالة نقش الصور في الألواح، من دون أن يعتبر فيها كونها من قصب أو حديد أو غير ذلك، بل ولا أن يكون جسما، ولا كون النقش محسوسا أو معقولا، ولا كون اللوح من قرطاس أو خشب، بل مجرد كونه منقوشا فيه وهذا حقيقة اللوح وحده وروحه، وإن كان في الوجود شئ يتسطر بواسطته نقش العلوم في ألواح القلوب فأخلق به أن يكون هو القلم، فان الله تعالى علم