المدن، وهي المعاملات، وتأدية الأمانات، ونصح البعض لبعض بضروب المعاونات.
لكن الحق أن يقال: الأول العبادة البدنية بالعمل بالفروع الشرعية، الثاني العبادة النفسية بتهذيب الأخلاق والاتصاف بالصفات المرضية، والثالث العبادة العقلية بتهذيب العلم وتحصيل المعرفة في الإعتقادات الدينية الأصولية، ويقال للعلوم المتكفلة لأبحاثها: علم الشريعة، وعلم الطريقة، وعلم الحقيقة على طريق اللف والنشر المرتب، فتأمل.
وفي الخبر: إن حقيقة العبودية ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله ملكا كالعبد، بل يرى المال مال الله يضعه حيث أمره الله، وأن لا يدبر العبد لنفسه تدبيرا بل يرى تدبيره بيد الله، وأن يجعل جملة اشتغاله فيما أمر الله ونهاه عنه، فعلى الأول يهون عليه الانفاق، وعلى الثاني تهون عليه مصائب الدنيا، وعلى الثالث لا يتفرغ عنه إلى المراء والمباهاة (1).
وإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاث هانت عليه الدنيا ومصائبها، ولا يطلبها تفاخرا وتكاثرا، ولا يطلب عند الناس عزا وعلوا، ولا يدع أيامه باطلة، فهذا أول درجات المتقين.
وقوله تعالى: (قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون) السورة (2)، قيل: أي لا أعبد آلهتكم التي تعبدونها اليوم وفي هذه الحال، (ولا أنتم عابدون ما أعبد) أي إلهي الذي أعبده اليوم وفي هذه الحال، (ولا أنا عباد ما عبدتم) أي فيما بعد اليوم، (ولا أنتم عابدون ما أعبد) بعد اليوم من الأوقات المستقبلة.
قال الزجاج: نفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه السورة عبادة آلهتهم عن نفسه في الحال وفيما يستقبل، وكذا عبادة الله بالنسبة.
وفي الحديث: سئل أبو جعفر الأحول عن مثل هذا القول وتكراره مرة بعد مرة، فلم يكن جواب عند أبي جعفر الأحول في ذلك بشئ حتى دخل المدينة،