النبي (صلى الله عليه وآله) على آذان الكفار، لا ان الشيطان أجرى على لسانه (صلى الله عليه وآله) كما رواه العامة قوله: ((تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجي)) وسجد (صلى الله عليه وآله) في آخر السورة (١).
فلما شاهد المنافقون هذه الحالة، وكان فيهم وليد بن مغيرة المخزومي، فرحوا بذلك وقالوا: إن محمدا يعظم آلهتنا، ويمدح أصنامنا، ويقر بشفاعة اللات والعزي، فلا نزاع لنا معه.
فوصل من هذه الجهة شبهة المصالحة إلى آذان مهاجري الحبشة، ولما رجع النبي (صلى الله عليه وآله) من المسجد سمع من الناس هذه المقالة فحزن لذلك، فنزل جبرئيل تسلية له بقوله تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم﴾ (2).
فلما علم المنافقون بالكيفية عادوا إلى الأذية، وللآية تفاسير اخر من الخاصة والعامة ليس هنا موضع تفصيلها، فلاحظها في مظانها.
وبالجملة فبناء على التفسير المذكور لما رجع المهاجرون إلى مكة، وعلموا بالحال وما عليه الكفار هاجروا في تلك السنة ثانية إلى الحبشة بأمر النبي (صلى الله عليه وآله)، وهم حينئذ غير الأولاد الصغار ثمانون رجلا وثمانية عشر مرأة.
فبقوا هناك إلى أن هاجروا من الحبشة إلى المدينة سنة فتح خيبر وفدك، وفيهم حينئذ جعفر بن أبي طالب، وأم المؤمنين أم حبيبة، مع جمع من قبيلة أشعر من قبائل اليمن منهم أبو بردة الأشعري، وأبو موسى الأشعري، وإخوانهما في ستين نفرا وهم على زي أهل الحبشة، وثمانية من أهل الروم، وثمانين من قبيلة دوس منهم أبو هريرة، واسمه على المشهور عبد الشمس بن عامر، وسماه رسول