ولكنها ضمير الأمر والحديث فكأنه قال: إن الحديث من كل ما يخلق الله يختار، فالأعمال إذا كلها من خلق الله تعالى، وقد اختار منها ما شاء قال الله تعالى: (يخلق ما يشاء ويختار) [القمص 68].
قوله: (قد سماه خيرته من الأعمال) يعني الذكر وتلاوة القرآن.
وقوله: والمصطفى من عباده أي وسمى المصطفى من عباده بقوله تعالى: (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) [الحج 75] ويجوز أن يكون معناه المصطفى من عباده، أي العمل الذي اصطفاه منهم واختاره من أعمالهم، فلا تكون (من) على هذا للتبعيض، إنما تكون لابتداء الغاية، لأنه عمل استخرجه منهم بتوفيقه إياهم، والتأويل الأول أقرب مأخذا، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: في أول الخطبة: (إن الحمد لله أحمده) هكذا يرفع الدال من قوله الحمد لله وجدته مقيدا مصححا عليه، وإعرابه ليس على الحكاية ولكنه على إضمار الأمر كأنه قال: إن الأمر الذي أذكر وحذف الهاء العائدة على الأمر كي لا يقدم (1) شيئا في اللفظ من الأسماء على قوله: الحمد لله وليس تقديم (إن) في اللفظ من باب تقديم الأسماء، لأنها حرف مؤكد لما بعده مع ما في اللفظ من التحري للفظ القرآن والتيمن به.
الثاني: اختلف في تسمية اليوم بذلك مع الاتفاق على أنه كان يسمى في الجاهلية العروبة - بفتح المهملة وضم الراء وبالموحدة -.
قلت: قال ابن النحاس في كتاب (صناعة الكتاب): لا يعرفه أهل اللغة إلا بالألف واللام إلا شاذا، ومعناه اليوم البين المعظم من أعرب (إذا) بين [...] فقيل: سمي بذلك لأن كمال الخلائق جمع فيه، ذكره أبو حذيفة النجاري، في (المبتدأ) عن ابن عباس وهو ضعيف.
وقيل: لأنه خلق آدم جمع فيه.
روى الإمام أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن أبي حاتم عن سليمان - رضي الله تعالى عنه - [قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتدري ما يوم الجمعة؟ قلت: الله ورسوله أعلم قالها ثلاث مرات ثم قال في الثلاثة: هو اليوم الذي جمع فيه أباكم آدم قال: لكني أدري ما يوم الجمعة لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام إلا كان كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة (2).