عبيد وراء أبي بكر إلى السنح فأعلمه بموت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما بلغ أبو بكر الخبر وهو بالسنح أقبل على فرس حتى نزل على باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر يكلم الناس فلم يلتفت إلى شئ حتى دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت عائشة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجى في ناحية البيت عليه برد حبرة.
زاد أبو الربيع وأبو اليمن بن عساكر في (إتحاف الزائر) وعيناه تهملان وزفراته تتردد في صدره وعصصه ترتفع كقطع الحرة، وهو في ذلك جلد العقل والمقالة حتى دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكشف عن وجهه ومسح وقبل بين عينيه، وجعل يبكي ويقول: بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا، وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء، فعظمت عن الصفة، وجللت عن البكاء وحصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرت فينا سواء، ولولا أن موتك كان اختبارا لجدنا لموتك بالنفوس، ولولا أنك نهيت عن البكاء عليك ما الشؤون، فأما ما لا نستطيع تقيه ففيه كمد وإدناف يتخالفان لا يبرحان، اللهم فأبلغه عنا، اذكرنا يا محمد عند ربك ولتكن من جاء لك فلولا ما خلقت من السكينة لم تعم لما خلقت من الوحشة، اللهم أبلغ نبيك عنا واحفظه ميتا ثم صرخ. انتهى.
وفي حديث عائشة عند ابن سعد وأبي يعلى وأحمد برجال ثقات أن أبا بكر لما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تحول من قبل رأسه فقال: وا نبياه، ثم حدر فمه وقبل وجهه ثم [قال: وا صفياه ثم] (1) رفع رأسه وحدر فمه وقبل جبهته وقال: وا خليلاه، مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي حديث عائشة عند أبي يعلى وأحمد فقال: كيف ترين؟ قالت: غشي عليه فدنا منه فكشف عن وجهه فقال: يا غشياه ما أكون هذا الغشي، ثم كشف عن وجهه فعرف الموت فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ثم بكى قالت عائشة: فقلت في سبيل الله انقطاع الوحي ودخول جبريل بيتي، ثم وضع يديه على صدغيه ووضع فاه على جبهته فبكى حتى سالت دموعه على وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي لفظ ثم أقبل عليه فقبله ثم قال: بأبي وأمي أما الموته التي كتب الله عليك فقد متها فلن يصيبك بعدها موتة أبدا، ثم رد البرد على وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم خرج إلى الناس.
زاد أبو الربيع: وهم في خطبهم غمراتهم وشديد سكراتهم، ثم خرج عمر يكلم الناس فقال: على رسلك يا عمر أنصت ثلاث مرات فأبى إلا أن يتكلم، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه.