الصنيع المشق على النفوس. كما قال تعالى ﴿إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا﴾ (1) ولهذا كان عليه الصلاة والسلام إذا جاءه الوحي يحمر وجهه، ويغط كما يغط البكر من الإبل، ويتفصد جبينه عرقا في اليوم الشديد البرد.
وقوله: " فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة يرجف فؤاده ". وفى رواية: " بوادره " جمع بادرة. قال أبو عبيدة: وهي لحمة بين المنكب والعنق. وقال غيره: هي عروق تضطرب عند الفزع.
وفى بعض الروايات ترجف بآدله، واحدتها بادلة. وقيل بادل، وهو ما بين العنق والترقوة. وقيل أصل الثدي. وقيل: لحم الثديين. وقيل غير ذلك.
فقال: " زملوني زملوني "، فلما ذهب عنه الروع قال لخديجة: " ما لي؟ أي شئ عرض لي؟! " وأخبرها ما كان من الامر. ثم قال: " لقد خشيت على نفسي " وذلك لأنه شاهد أمرا لم يعهده قبل ذلك، ولا كان في خلده.
ولهذا قالت خديجة: أبشر، كلا والله لا يخزيك الله أبدا. قيل: من الخزي، وقيل: من الحزن.
وهذا لعلمها بما أجرى الله به جميل العوائد في خلقه، أن من كان متصفا بصفات الخير لا يخزى في الدنيا ولا في الآخرة.
ثم ذكرت له من صفاته الجليلة ما كان من سجاياه الحسنة. فقالت: " إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث " وقد كان مشهورا بذلك صلوات الله وسلامه عليه عند الموافق والمفارق.
" وتحمل الكل " أي عن غيرك، تعطى صاحب العيلة ما يريحه من ثقل مؤنة عياله.