فوثب الحبر ونزل رداؤه وقال: ذبحت يهود، وقتلت يهود!
قال العباس: فلما رجعنا إلى منزلنا، قال أبو سفيان: يا أبا الفضل، إن اليهود تفزع من ابن أخيك. قلت: قد رأيت ما رأيت، فهل لك يا أبا سفيان أن تؤمن به، فإن كان حقا كنت قد سبقت، وإن كان باطلا فمعك غيرك من أكفائك.
قال: لا أو من به حتى أرى الخيل في كداء (1).
قلت: ما تقول؟ قال: كلمة جاءت على فمي، إلا أنى أعلم أن الله لا يترك خيلا تطلع من كداء.
قال العباس: فلما استفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ونظرنا إلى الخيل وقد طلعت من كداء، قلت: يا أبا سفيان تذكر الكلمة؟!
قال: أي والله إني لذاكرها! فالحمد لله الذي هداني للاسلام.
وهذا سياق حسن عليه البهاء والنور وضياء الصدق، وإن كان في رجاله من هو متكلم فيه. والله أعلم.
وقد تقدم ما ذكرناه في قصة أبى سفيان مع أمية بن أبي الصلت، وهو شبيه بهذا الباب، وهو من أغرب الاخبار وأحسن السياقات وعليه النور.
وسيأتي أيضا قصة أبى سفيان مع هرقل ملك الروم حين سأله عن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحواله، واستدلاله بذلك على صدقه ونبوته ورسالته. وقال له: كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أكن أظن أنه فيكم، ولو أعلم أنى أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ولئن كان ما تقول حقا ليملكن موضع قدمي هاتين.
وكذلك وقع ولله الحمد والمنة.