كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٤ - الصفحة ٢٨٧
فلما أراد الرحيل (1) قام في الناس خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أيها الناس! إنكم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، والله لقد أصبحت وما أنا محتمل على أحد من هذه الأمة ضغنة في شرق ولا غرب ولما تكرهون في الجاهلية، والألفة والأمن وصلاح ذات البين خير مما تحبون من الفرقة والخوف والتباغض والعداوة - والسلام -.
قال: فلما سمع الناس هذا الكلام من الحسن كأنه وقع بقلوبهم أنه خالع نفسه من الخلافة ومسلم الأمر لمعاوية، فغضبوا لذلك، ثم بادروا إليه من كل ناحية، فقطعوا عليه الكلام، ونهبوا عامة أثقاله، وخرقوا ثيابه، وأخذوا مطرفا كان عليه، وأخذوا أيضا جارية كانت معه، وتفرقت عنه عامة أصحابه، فقال الحسن: لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال: فدعا بفرسه فركب، وسار وهو مغموم لما قد نزل به من كلامه. وأقبل

فارس ثم ليكون من وراء ميدانه الذي سينازل به معاوية وأهل الشام، وليس بين معسكري الحسن بين المدائن ومقدمة جيشه (قيس بن سعد) التي أرسلها إلى مسكن أكثر من خمسة عشر فرسخا.
(١) كذا بالأصل، والأخبار الطوال ص ٢١٦. ويفهم من رواية الطبري 6 / 92 أنه لا شيء مهم حصل إبان إقامة الحسن بن علي بساباط، وأنه انتقل منها إلى المدائن.
وفي المدائن حصلت تطورات هامة وخطيرة كانت تزيد من خيبة أمله، وتزيد من ضعف ثقته بجيشه ووضعته أمام اتخاذ موقف واحد لا ثاني له، موقف يتناسب مع خطورة الأوضاع التي تتابعت بسرعة.
أما التطورات التي حصلت فمنها:
1 - تثاقل الناس عن الحرب، فإذا كان تقديرنا - على اختلاف الأقوال - للمستنفرين ما بين 40 ألفا إلى مئة ألف يجب أن نشير إلى أن القوة القتالية المفترضة في العراق تتعدى ثلاثمئة ألف.
2 - دور أصحاب الفتن وأصحاب الطمع بالغنائم وأصحاب العصبيات في تفتيت وحدة جيش الحسن.
3 - دور الخوارج، الذين طالما نادوا بالقتال، في تذكية نار الحقد بين الفريقين المتحاربين وظهورهم بأنهم الجنود المناصحين في حين أنهم في ذلك إلى اغتنام الفرص من أجل تنفيذ مخططاتهم، والتي نذكر أقلها، في إضعاف الطرفين. ولم يطل تظاهرهم فقدموا على تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة في محاولة اغتيال الحسن بن علي، حيث طعنة أحدهم، ابن سنان الأسدي ولكن هذه الطعنة لم تبلغ من الحسن وكانت سلامته بلطف من الله وعنايته.
4 - تكون جيش الحسن (رض) من عناصر مختلفة وألوان متعددة أفقدته المصداقية وأذنت بسرعة تفرقه وتشرذمه.
(5) الدساس والإشاعات والحرب النفسية التي خاضها معاوية كان لها الأثر المدمر في الروح المعنوية للجيش. ومن ذلك ما أشار إليه الطبري 6 / 92 إذ نادى مناد في العسكر ألا إن قيس بن سعد قتل فانفروا فنفروا وسرقوا سرادق الحسن.
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر الحكمين 197
2 ذكر كتبة كتاب الصلح بينهم وما جرى في ذلك 201
3 ذكر أول من يسري من أصحاب علي بن أبي طالب بعد ذلك 205
4 ذكر وصية القوم لأبي موسى بالاحتياط في أمره والحذر من دهاء خصمه 207
5 ذكر غرور عمرو بن العاص صاحبه 210
6 ذكر ما قيل فيه بعد ذلك 216
7 ذكر ما سئل أمير المؤمنين من القضاء والقدر فيما جرى عليهم من الأمور 217
8 ابتداء ذكر الغارات بعد صفين 218
9 خبر أهل اليمن وتحريك شيعة عثمان بن عفان بها وخلافهم على علي بن أبي طالب 229
10 ذكر بسر بن أبي أرطأة الفهري وما قتل من شيعة علي بن أبي طالب بأرض اليمن 231
11 خطبة ثانية (لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه) 237
12 خبر عبد الله بن عباس وزياد بن أبيه وأبي الأسود الدؤلي وما جرى بينهم 240
13 ذكر الخريت بن راشد وخروجه على علي بن أبي طالب وخلافه عليه 242
14 ذكر مصقلة بن هبيرة الشيباني وما كان منه إلى علي وهربه إلى معاوية 244
15 ذكر الكتاب الذي كتبه الحضين بن المنذر إلى مصقلة بن هبيرة 246
16 ذكر كتاب مصقلة بن هبيرة إلى قومه 248
17 ذكر ابتداء أخبار الخوارج من الشراة وخروجهم على علي رضي الله عنه 251
18 كلام ابن عباس للخارجي وما كان من رده عليه 252
19 ابتداء اجتماع الخوارج بالنهروان 255
20 ذكر خطبة علي بن أبي طالب قبل خروجه إلى النهروان 256
21 ذكر خطبته الثانية وما كان من توبيخه لأهل الكوفة 257
22 ذكر خطبته الثالثة 260
23 ذكر كتاب علي إلى الخوارج 262
24 مسير عبد الله بن أبي عقب إلى الخوارج وما جرى بينهم من المناظرة 263
25 ذكر ابتداء الحرب 271
26 ذكر وصية علي رضي الله عنه عند مصرعه 280
27 ذكر كتاب عبد الله بن عباس من البصرة إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما 283
28 ذكر كتاب الحسن بن علي إلى معاوية 284
29 جواب كتاب الحسن بن علي من معاوية بن أبي سفيان 285
30 ذكر خروج معاوية من الشام يريد العراق وخروج الحسن بن علي من الكوفة يريد الشام 286
31 ذكر بيعة الحسن بن علي لمعاوية كيف كانت 290
32 ذكر مسير معاوية إلى العراق لأخذ البيعة لنفسه من الحسن بن علي رحمة الله عليه 292
33 ذكر خبر أهل البصرة وما كان من خلافهم على معاوية 296
34 ذكر زياد بن أبيه حين كان مع علي بن أبي طالب وكيف ادعاه معاوية بعد ذلك وزعم أنه أخوه 298
35 ذكر خطبة زياد بالبصرة وهي الخطبة التي لم يسبقه إلى مثلها أحد من أمراء البصرة 302
36 ذكر أخبار خراسان في أيام معاوية بن أبي سفيان 305
37 ذكر ولاية سعيد بن عثمان خراسان 306
38 ذكر مسير سعد بن عثمان إلى خراسان وخبر مالك بن الربيب المازني 308
39 ذكر فتوح خراسان أيضا بعد سعيد بن عثمان 314
40 ذكر موت زياد بن أبيه 316
41 ذكر أخبار خراسان وغير خراسان بعد موت زياد بن أبيه 317
42 وفاة الحسن بن علي بن أبي طالب 318
43 ابتداء أخبار مقتل مسلم بن عقيل والحسين بن علي وولده وشيعته من ورائه وأهل السنة وما ذكروا في ذلك من الاختلاف 322
44 ثم رجعنا إلى الخبر الأول 329
45 ذكر كتاب معاوية إلى مروان بن الحكم بالمدينة في أمر يزيد 334
46 ذكر خبر معاوية في خروجه إلى الحج وما كان منه بمكة والمدينة إلى رجوعه 336
47 ذكر انصراف معاوية عن مكة وما يلي به من سفره من المرض وخبر وفاته 344
48 ذكر الكتاب والعهد إلى يزيد 347