الحرب من إن نام عنها لم تنم عيناه، ومن غفل أوذي، ومن ضعف ذل، ومن ترك الجهاد في الله كان المغبون المهين، اللهم اجمعنا على التقوى وجنبنا وإياهم البلوى، واجعل الآخرة لنا ولهم خيرا من الأولى.
قال: فلما فرغ من خطبته أجابه الناس سراعا، فاجتمع إليه أربعة آلاف رجل أو يزيدون. قال: فخرج بهم من الكوفة وبين يدي عدي بن حاتم الطائي يرفع صوته وهو يقول:
نسير إذا ما كاع قوم وبلدوا * برايات صدق كالنسور الخوافق إلى شر قوم من شراة تحزبوا * وعادوا إله الناس رب المشارق طغاة عماة مارقين عن الهدى * وكل لعين قوله غير صادق وفينا علي ذو المعالي يقودنا * إليهم جهارا بالسيوف البوارق قال: وسار علي رضي الله عنه حتى نزل على فرسخين من النهروان، ثم دعا بغلامه فقال له: اركب إلى هؤلاء القوم وقل لهم عني: ما الذي حملكم على الخروج علي ألم أقصد في حكمكم؟ ألم أعدل في قسمكم؟ ألم أقسم فيكم فيئكم؟ ألم أرحم صغيركم؟ ألم أوقر كبيركم؟ ألم تعلموا أني لم أتخذكم خولا، ولم أجعل مالكم نفلا؟ وانظر ماذا يردون عليك! وإن شتموك فاحتمل، وإياك أن ترد على أحد منهم شيئا.
قال: فأقبل غلام علي حتى أشرف على القوم بالنهروان، فقال لهم ما أمره به، فقالت له الخوارج: ارجع إلى صاحبك فلسنا نجيبه إلى شيء يريده أبدا، وإنا نخاف أن يردنا بكلامه الحسن كما رد إخواننا بحروراء عبد الله بن الكواء (1) وأصحابه، والله تعالى يقول: (بل هم قوم خصمون) (2)، ومولاك علي منهم فارجع إليه وخبره بأن اجتماعنا ههنا لجهاده ومحاربته لا لغير ذلك.
قال: فرجع الغلام إلى علي وأخبره بما سمع من القوم، قال فعندنا كتب إليهم علي كرم الله وجهه.