حالاتكم أنكم رأيتموني فنصرتموني وأرقتم دماءكم دوني، فلا يبعد الله إلا من قد ظلم، يا أهل الكوفة! أعظكم فلا تتعظون، وأوقظكم من سنتكم فلا تنتبهون، إن من فاز بكم فقد فاز بالخيبة (1)، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل (2)، أف لكم!
لقد لقينا منكم ترحا، يوما أناديكم ويوما أناجيكم، فلا أحرار عند النداء ولا إخوان صدق عند المصائب، فيا لله ما ذا منيت به منكم، لقد منيت بصم لا يسمعون وكمه لا يبصرون وبكم لا يعقلون، أما والله لو لا أني حين أمرتكم بأمري حملتكم على المكروه منه، فإن استقمتم هديتم، وإن أبيتم علي بدأت بكم وكانت الزلفى، ولكني تراخيت لكم وتوانيت عنكم وتماديت في غفلتكم، فكنت أنا وأنتم كما قال الأول (3):
أمرتكم أمري بمنقطع اللوى * فلم تستبينوا الرشد إلا ضحى الغد اللهم! إن دجلة والفرات نهران أصمان أبكمان، اللهم! فأرسل عليهما ماء يحرك وانزع منهم ماء نصرك، حبذا إخواني الصالحون! إن دعوا إلى الإسلام قبلوه أو قرأوا القرآن أحكموه، أو ندبوا إلى الجهاد طلبوه، فحقق اللهم لهم الثناء الحسن، واشوقاه إلى تلك الوجوه.
قال: ثم ذرفت عيناه ونزل عن المنبر، وقام إليه نافع بن طريف فقال: إنا لله إلى ما صرت إليه يا أمير المؤمنين! فقال علي: نعم (إنا لله وإنا إليه راجعون إلى ما صرت إليه، صرت إلى قوم إن أمرتهم خالفوني، وإن اتبعتهم تفرقوا عني، جعل الله لي منهم فرجا عاجلا.
قال: ثم وثب فدخل إلى منزله مغموما، ودخل إليه جماعة من فرسان أصحابه