فلما بلغ ذلك الخوارج ركب عبد الله بن الكواء (1) في مائة رجل من أصحابه حتى واقفه، فقال له علي: يا بن الكواء! إن الكلام كثير، ابرز إلي من أصحابك حتى أكلمك، قال ابن الكواء: وأنا آمن من سيفك؟ قال علي: نعم وأنت آمن من سيفي. قال: فخرج ابن الكواء في عشرة من أصحابه ودنوا من علي رضي الله عنه، قال: وذهب ابن الكواء ليتكلم فصاح به رجل من أصحاب علي وقال: اسكت حتى يتكلم من هو أحق بالكلام منك! قال: فسكت ابن الكواء وتكلم علي بن أبي طالب (2)، فذكر الحرب الذي كان بينه وبين معاوية، وذكر اليوم الذي رفعت فيه المصاحف، وكيف اتفقوا على الحكمين، ثم قال له علي: ويحك يا بن الكواء!
ألم أقل لكم في ذلك اليوم الذي رفعت فيه المصاحف كيف أهل الشام يريدون أن يخدعوكم بها؟ ألم أقل لكم بأنهم قد عضهم السلاح وكاعوا عن الحرب، فذروني أناجزهم فأبيتم علي وقلتم: إن القوم قد دعونا إلى كتاب الله عز وجل فأجبهم إلى ذلك، وإلا لم نقاتل معك، وإلا دفعناك إليهم، فلما أجبتكم إلى ذلك وأردت أن أبعث ابن عمي عبد الله بن عباس ليكون لي حكما فإنه رجل لا يبتغي بشيء من عرض هذه الدنيا ولا يطمع أحد من الناس في خديعته، فأبى علي منكم من أبي وجئتموني بأبي موسى الأشعري وقلتم: قد رضينا بهذا، فأجبتكم إليه وأنا كاره، ولو أصبت أعوانا غيركم في ذلك الوقت لما أجبتكم، ثم إني اشترطت على الحكمين بحضرتكم أن يحكما بما أنزل الله من فاتحته إلى خاتمته أو السنة الجامعة، فإن هما لم يفعلا ذلك فلا طاعة لهما علي، أكان ذلك أم لم يكن؟ فقال ابن الكواء:
صدقت، قد كان هذا بعينه، فلم لا ترجع إلى حرب القوم إذ قد علمت أن الحكمين لم يحكما بالحق وأن أحدهما خدع صاحبه؟ فقال علي: إنه ليس إلى حرب القوم سبيل إلى انقضاء المدة التي ضربت بيني وبينهم. قال ابن الكواء: فأنت مجمع على ذلك؟ قال: وهل يسعني إلى ذلك، انظر يا بن الكواء اني أصبت أعوانا وأقعد عن حقي؟