توسطت أمرا قويت فيه بديا ثم ضعفت عنه أخيرا (1) * وكان أول أمرك أنك قلت أفوز بالمال وألحق بمعاوية، ولعمري ما استبدلت الشام بالعراق، ولا السكاسك بربيعة، ولا معاوية بعلي، ولا أصبت ذنبا بهما، وإن أبعد ما يكون من الله أقرب ما يكون من معاوية، فارجع إلى مصرك فقد غفر لك الذنب وحمل عنك الثقل، واعلم بأن رجعتك اليوم خير منها غدا، وكانت أمس خير منها اليوم، وإن كان قد غلب عليك الحياء من أمير المؤمنين فما أنت فيه أعظم من الحياء، فقبح الله امرءا ليس فيه دنيا ولا آخرة - والسلام -. قال: ثم أثبت في أسفل الكتاب هذه الأبيات:
أمصقل لا تعدم من الله مرشدا * ولا زلت في خفض من العيش أرغدا وإن كنت قد فارقت قومك خزية * يمد بها الشانىء إلى رهطك اليدا وكنت إذا ما ناب أمر كفيته * ربيعة طرا غائبين وشهدا تدافع عنها كل يوم كريهة * صدور العوالي والصفيح المهندا يناديك للعلياء بكر بن وائل * فتثني لها في كل جارحة يدا فكنت أقل الناس في الناس لائما * وأكثرهم في الناس خيرا معددا تخف إلى صعلوكنا فيجيبه * فكنت بهذا في ربيعة سيدا ففارقت من قد يحسن الطرف دونه * جهارا وعاديت النبي محمدا فإن تكن الأيام لاقتك غيرة * قم الآن فارجع لا تقولن غدا غدا ولا ترض بالأمر الذي هو صائر * فقد جعل الله القيامة موعدا قال: فلما ورد هذا الكتاب على مصقلة بن هبيرة وقرأه ونظر في الشعر، أقبل على الرسول فقال: هذا كلام الحضين بن المنذر، وشعره لم يشبه كلام أحد من الناس، فقال له الرسول: صدقت هذا كلام الحضين، فاتق الله يا مصقلة! وانظر فيما خرجت منه وفيما صرت إليه، وانظر من تركت ومن أخذت، ثم اقض بعد ذلك على هواك، أين الشام من العراق! وأين معاوية من علي! وأين المهاجرون والأنصار من أبناء الطلقاء والأحزاب! وأنت بالعراق تتبع وأنت بالشام تتبع.
قال: فسكت مصقلة عن الرسول فلم يجبه بشيء، ثم أخذ الكتاب فأتى به معاوية وأسمعه الشعر، فقال له معاوية: يا مصقلة! أنت عندي غير ظنين، فإذا أتاك