درهم فأنفقه في نوائب الاسلام وحقوقه، ولم يكن خفيف الظهر، قليل العيال والنسل، فيكون فاقد جميع اليسارين بل كان ذا بنين وبنات وزوجة وخدم وحشم، ويعول والديه وما ولدا، ولم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل ذلك عنده مشهورا، فيخاف العار في ترك مواساته، فكان انفاقه على الوجه الذي لا يجد في غاية الفضل مثله ولقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما نفعني مال كما نفعني مال أبي بكر ".
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): أخبرونا على أي نوائب الاسلام أنفق هذا المال، وفي أي وجه وضعه؟ فإنه ليس بجائز ان يخفى ذلك ويدرس حتى يفوت حفظه، وينسى ذكره، وأنتم فلم تقفوا على شئ أكثر من عتقه بزعمكم ست رقاب لعلها لا يبلغ ثمنها في ذلك العصر مائة درهم. وكيف يدعى له الانفاق الجليل، وقد باع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعيرين عند خروجه إلى يثرب. وأخذ منه الثمن في مثل تلك الحال، وروى ذلك جميع المحدثين، وقد رويتم أيضا انه كان حيث كان بالمدينة غنيا موسرا، ورويتم عن عائشة انها قالت: هاجر أبو بكر وعنده عشرة آلاف درهم، وقلتم إن الله تعالى انزل فيه (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ان يؤتوا أولى القربى) (1)، قلتم: هي في أبي بكر ومسطح بن أثاثة، فأين الفقر الذي زعمتم انه أنفق حتى تخلل بالعباءة! ورويتم ان لله تعالى في سمائه ملائكة قد تخللوا بالعباءة. وان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رآهم ليلة الاسراء، فسأل جبرائيل عنهم فقال: هؤلاء ملائكة تأسوا بأبي بكر بن أبي قحافة صديقك في الأرض، فإنه سينفق عليك ماله، حتى يخلل عباءة في عنقه، وأنتم أيضا رويتم ان الله تعالى لما انزل آية النجوى، فقال: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم) (2) الآية لم يعمل بها إلا علي بن أبي طالب وحده، مع اقراركم بفقره وقلة