السياسة لغة هي المداراة، واصطلاحا هي الغاية التي تبرر الواسطة، والعمل لبلوغ الهدف، بأي واسطة كانت فكلما يوصل ويحقق الهدف مهما كان ذلك السلوك سواء أكان من طريق الصدق أو من الكذب أو من طريق الصراحة أو الخداع أو الغش والمراوغة أو من طريق القهر والغلبة، أو الصداقة والموافقة، أو من الظلم أو العدالة، أو من طريق الدين والايمان، أو من طريق النفاق والمكر، أو من طريق الفضيلة أو الرذيلة، فالسياسة هي تبرر الوسيلة والواسطة لبلوغ الهدف والغاية، والسياسة هذه لا تكون الا دنيوية ولا يقبلها الوجدان والضمير، ولا المنطق السليم، فلا يمكن ان يكون الرجل الرباني المخلص في ايمانه والمؤمن في دينه رجلا سياسيا من الطراز المذكور، لأن الدين ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف، ولا يستحل الرذيلة من مكر وخداع، وغش وظلم واعتداء وكذب وفسق وفجور، فمن قام بها فليس برجل دين. والسياسة لا تعترف بحدود ما أمر الله ورسوله ويجوز عندها أن تفسر ما تقوم به، بل ربما يجب عليها ان توجهه بما تستطيع أن تثبت كل رذائلها فضائل، وتبرر جميع أعمالها المفتريات، وتصم أعداءها من ذوي العدل والاخلاص الحكماء والأولياء وذوي المكارم، وأهل الفضائل، وأقطاب الدين، وأعلام المنطق وسراة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذابين عن الحق والحقيقة، والمجاهدين ضد الفساد والرذيلة، بما تشاء.
نعم، للسياسة أن تصمهم بأخس ما يعرفه البشر، ولها ان تقتل هؤلاء وأنصارهم، وتستبيح أموالهم واعراضهم، وتسبي أبناءهم ونساءهم، بل وتقطع دابر احيائهم، لتخفي كل ما قد يظهر من الحقيقة ومن جهة أخرى، ان تنصر أعوانها وأنصارها، وتبيح لهم كل رذيلة باسم العدالة، باسم الفضيلة، باسم الانسانية، ولها ان تقدم جدولا من أرقى وأفضل ما يمكن ان ترتكز عليه المدينة الفاضلة