ذات يده وأبو بكر في الحال التي ذكرنا من السعة امسك عن مناجاته، فعاتب الله المؤمنين في ذلك، فقال (أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم)، فجعله سبحانه ذنبا يتوب عليهم منه وهو امساكهم عن تقديم الصدقة فكيف سخت نفسه بانفاق أربعين ألفا، وامسك عن مناجاة الرسول، وانما كان يحتاج فيها إلى اخراج درهمين!
واما ما ذكر من كثرة عياله ونفقته عليهم، فليس في ذلك دليل على تفضيله لان نفقته على عياله واجبة، مع أن أرباب السيرة ذكروا انه لم يكن ينفق على أبيه شيئا وأنه كان أجيرا لابن جدعان على مائدته يطرد عنها الذبان.
قال الجاحظ: وقد تعلمون، ما كان يلقى أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ببطن مكة من المشركين، وحسن صنيع كثير منهم، كصنيع حمزة حين ضرب أبا جهل بقوسه ففلق هامته، وأبو جهل يومئذ سيد البطحاء ورئيس الكفر، وامنع أهل مكة، وقد عرفتم ان الزبير سل سيفه واستقبل به المشركين لما أرجف ان محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قتل، وان عمر بن الخطاب قال حين أسلم " لا يعبد الله سرا بعد اليوم "، وان سعدا ضرب بعض المشركين بلحي جمل، فأراق دمه، فكل هذه الفضائل لم يكن لعلي بن أبي طالب فيها ناقة ولا جمل وقد قال الله تعالى (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا) (1)، فإذا كان الله تعالى قد فضل من أنفق قبل الفتح، لأنه لا هجرة بعد الفتح على من أنفق بعد الفتح، فما ظنكم بمن أنفق من قبل الهجرة ومن لدن مبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الهجرة وإلى بعد الهجرة (2).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): اننا لا ننكر فضل الصحابة وسوابقهم، ولسنا