كالامامية الذين يحملهم الهوى على جحد الأمور المعلومة، ولكننا ننكر تفضيل أحد من الصحابة على علي بن أبي طالب، ولسنا ننكر غير ذلك، تعصب الجاحظ للعثمانية، وقصده إلى فضائل هذا الرجل ومناقبه بالرد والابطال. واما حمزة فهو عندنا ذو فضل عظيم، ومقام جليل، وهو سيد الشهداء الذين استشهدوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واما فضل عمر فغير منكر وكذلك الزبير وسعد، وليس فيما ذكر ما يقتضي كون علي (عليه السلام) مفضولا لهم أو لغيرهم، إلا قوله " وكل هذه الفضائل لم يكن لعلي (عليه السلام) فيها ناقة ولا جمل ". فان هذا من التعصب البارد، والحيف الفاحش وقد قدمنا من آثار علي (عليه السلام) قبل الهجرة وماله إذ ذاك من المناقب والخصائص، ما هو أفضل وأعظم وأشرف من جميع ما ذكر لهؤلاء، على أن أرباب السيرة يقولون: ان الشجة التي شجها سعد وان السيف الذي سله الزبير، هو الذي جلب الحصار في الشعب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبني هاشم وهو الذي سير جعفر وأصحابه إلى الحبشة وسل السيف في الوقت الذي لم يؤمر المسلمون فيه بسل السيف غير جائز، قال تعالى (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله) (1)، فتبين ان التكليف له أوقات، فمنها وقت لا يصلح فيه سل السيف، ومنها وقت يصلح فيه وجب، فاما قوله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق) فقد ذكرنا ما عندنا من دعواهم لأبي بكر انفاق المال.
وأيضا فان الله تعالى لم يذكر انفاق المال، وانما قرن به القتال ولم يكن أبو بكر صاحب قتال وحرب، فلا تشمله الآية، وكان علي (عليه السلام) صاحب قتال وانفاق قبل الفتح. أما قتاله فمعلوم بالضرورة، واما انفاقه فقد كان على حسب حاله وفقره، وهو الذي أطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، وأنزلت فيه وفي