السير، وكان آخر ما لقي هو وأهله في امر الغار، وقد طلبته قريش وجعلت فيه مائة بعير، كما جعلت في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلقي أبو جهل أسماء بنت أبي بكر، فسألها فكتمته فلطمها حتى رمت قرطا كان في اذنها (1).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): هذا الكلام وهجر السكران سواء في تقارب المخرج واضطراب المعنى، وذلك أن قريشا لم تقدر على اذى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبو طالب حي يمنعه، فلما مات طلبته لتقتله فخرج تارة إلى بني عامر، وتارة إلى ثقيف، وتارة إلى بني شيبان ولم يكن يتجاسر على المقام بمكة إلا مستترا، حتى أجاره مطعم بن عدي، ثم خرج إلى المدينة، فبذلت فيه مائة بعير لشدة حنقها عليه حين فاتها، فلم تقدر عليه، فما بالها بذلت في أبي بكر مائة بعير أخرى، وقد كان رد الجوار، وبقي بينهم فردا لا ناصر له ولا دافع عنده، يصنعون به ما يريدون! اما ان يكون أجهل البرية كلها أو يكون العثمانية أكذب جيل في الأرض وأوقحه وجها! فهذا مما لم يذكر في سيرة ولا روي في أثر، ولا سمع به بشر، ولا سبق الجاحظ به أحد!
قال الجاحظ: ثم الذي كان من دعائه إلى الاسلام وحسن احتجاجه، حتى أسلم على يديه طلحة والزبير وسعد وعثمان وعبد الرحمن، لأنه ساعة أسلم دعا إلى الله ورسوله (2).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): ما أعجب هذا القول، إذ تدعي العثمانية لأبي بكر الرفق في الدعاء وحسن الاحتجاج وقد أسلم ومعه في منزله ابنه عبد الرحمن، فما قدر ان يدخله في الاسلام طوعا برفقه ولطف احتجاجه، ولا كرها بقطع النفقة عنه وادخال المكروه عليه، ولا كان لأبي بكر عند ابنه عبد الرحمن من القدر ما يطيعه