نزل قوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (1)، فطلقها أبو بكر، فمن عجز عن ابنه وأبيه وامرأته فهو عن غيرهم من الغرماء أعجز، ومن لم يقبل منه أبوه وابنه وامرأته لا برفق واحتجاج، ولا خوفا من قطع النفقة عنهم، وادخال المكروه عليهم فغيرهم أقل قبولا منه، وأكثر خلافا عليه!
قال الجاحظ: وقالت أسماء بنت أبي بكر: ما عرفت أبي إلا وهو يدين بالدين، ولقد رجع إلينا يوم أسلم، فدعانا إلى الاسلام فما رمنا حتى أسلمنا، وأسلم أكثر جلسائه، ولذلك قالوا: من أسلم بدعاء أبي بكر أكثر ممن أسلم بالسيف، ولم يذهبوا في ذلك إلى العدد بل عنوا الكثرة في القدر، لأنه أسلم على يديه خمسة من أهل الشورى، كلهم يصلح للخلافة، وهم اكفاء علي (عليه السلام) ومنازعوه الرياسة والإمامة فهؤلاء أكثر من جميع الناس (2).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): أخبرونا من هذا الذي أسلم ذلك اليوم من أهل بيت أبي بكر؟ إذا كانت امرأته لم تسلم، وابنه عبد الرحمن لم يسلم، وأبو قحافة لم يسلم، وأمته أم فروة لم تسلم وعائشة لم تكن قد ولدت في ذلك الوقت، لأنها ولدت بعد مبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخمس سنين، ومحمد بن أبي بكر ولد بعد مبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بثلاث وعشرين سنة، لأنه ولد في حجة الوداع وأسماء بنت أبي بكر التي قد روى الجاحظ هذا الخبر عنها يوم بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنت أربع سنين - وفي رواية من يقول: بنت سنتين - فمن الذي أسلم من أهل بيته يوم أسلم!
نعوذ بالله من الجهل والكذب والمكابرة! وكيف أسلم سعد والزبير وعبد الرحمن بدعاء أبي بكر وليسوا من رهطه ولا من أترابه ولا من جلسائه، ولا كانت بينهم قبل ذلك صداقة متقدمة، ولا انس وكيد! وكيف ترك أبو بكر عتبة بن ربيعة، وشيبة