والباقون حول بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمنة ويسرة، وقد انهزم المهاجرون والأنصار، وكلما فروا تقدم هو (صلى الله عليه وآله وسلم) وصمم مستقدما، يلقى السيوف والنبال بنحره وصدره، ثم اخذ كفا من البطحاء، وحصب المشركين وقال: شاهت الوجوه! والخبر المشهور عن علي (عليه السلام)، وهو أشجع البشر، كنا ان اشتد البأس، وحمي الوطيس اتقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولذنا به، فكيف يقول الجاحظ: انه ما خاض الحرب ولا خالط الصفوف! وأي فرية أعظم من فرية من نسب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الاحجام واعتزال الحرب! ثم أي مناسبة بين أبي بكر ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المعنى ليقيسه وينسبه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب الجيش والدعوة، ورئيس الاسلام والملة، والملحوظ بين أصحابه وأعدائه بالسيادة، وإليه الايماء والإشارة، وهو الذي أحنق قريشا والعرب وورى أكبادهم بالبراءة من آلهتهم، وعيب دينهم وتضليل اسلافهم، ثم وترهم فيما بعد بقتل رؤسائهم وأكابرهم! وحق لمثله إذا تنحى عن الحرب واعتزلها ان يتنحى ويعتزل، لان ذلك شأن الملوك والرؤساء، إذا كان الجيش منوطا بهم وببقائهم، فمتى هلك الملك هلك الجيش، ومتى سلم الملك أمكن ان يبقى عليه ملكه، وان عطب جيشه فإنه سيجد جيشا آخر، ولذلك نهى الحكماء ان يباشر الملك الحرب بنفسه، وخطأوا الإسكندر لما بارز قوسرا ملك الهند، ونسبوه إلى مجانبة الحكمة ومفارقة الصواب والحزم، فليقل لنا الجاحظ: أي مدخل لابي بكر في هذا المعنى؟ ومن الذي كان يعرفه من أعداء الاسلام ليقصده بالقتل؟ وهل هو إلا واحد من عرض المهاجرين حكمه حكم عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وغيرهما! بل كان عثمان أكثر منه صيتا، وأشرف منه مركبا، والعيون اليه أطمح والعدو إليه أحنق وأكلب، ولو قتل أبو بكر في بعض تلك المعارك هل كان يؤثر قتله في الاسلام ضعفا، أو يحدث فيه وهنا! أو يخاف على الملة لو قتل أبو بكر في بعض تلك الحروب ان تندرس وتعفى آثارها وينطمس منارها! ليقول الجاحظ: إن أبا بكر كان حكمه حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجانبة
(١٣٣)