قال الجاحظ: ثم الذي لقي أبو بكر في مسجده الذي بناه على بابه في بني جمح فقد كان بنى مسجدا يصلي فيه، ويدعو الناس إلى الاسلام، وكان له صوت رقيق، ووجه عتيق، وكان إذا قرأ بكى فيقف عليه المارة من الرجال والنساء والصبيان والعبيد، فلما أوذي في الله، ومنع من ذلك المسجد، استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الهجرة، فأذن له، فاقبل يريد المدينة، فتلقاه الكناني (1)، فعقد له جوارا، وقال: والله لا ادع مثلك يخرج من مكة فرجع إليها وعاد لصنيعه في المسجد، فمشت قريش إلى جاره الكناني وأجلبوا عليه فقال له: دع المسجد وادخل بيتك واصنع فيه ما بدا لك (2).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): كيف كانت بنو جمح تؤذي عثمان بن مضعون وتضربه، وهو فيهم ذو سطوة وقدرة، وتترك أبا بكر يبني مسجدا يفعل فيه ما ذكرتم، وأنتم الذين رويتم عن ابن مسعود أنه قال " ما صلينا ظاهرين حتى أسلم عمر بن الخطاب " والذي تذكرونه من بناء المسجد: كان قبل اسلام عمر، فكيف هذا؟!
واما ما ذكرتم من رقة صوته وعتاق وجهه فكيف يكون ذلك وقد روى الواقدي وغيره ان عائشة رأت رجلا من العرب خفيف العارضين، معروق الخدين، غائر العينين، اجناء (3)، لا يمسك إزاره، فقالت: ما رأيت أشبه بأبي بكر من هذا؟ فلا نراها دلت على شئ من الجمال في صفته!
قال الجاحظ: وحيث رد أبو بكر جوار الكناني، وقال: لا أريد جارا سوى الله، لقي من الأذى والذل والاستخفاف والضرب ما بلغكم، وهذا موجود في جميع