أتراه لم يسمع قول الله تعالى (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) (1)، وقوله (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن) (2).
ثم قال سبحانه مؤكدا لهذا البيع والشراء (ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) (3)، وقال الله تعالى (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح) (4).
فمواقف الناس في الجهاد على أحوال، وبعضهم في ذلك أفضل من بعض، فمن دلف إلى الاقران، واستقبل السيوف والأسنة، كان أثقل على أكتاف الأعداء، لشدة نكايته فيهم، ممن وقف في المعركة وأعان ولم يقدم، وكذلك من وقف في المعركة، وأعان ولم يقدم، إلا أنه بحيث تناله السهام والنبل أعظم عناء، وأفضل ممن وقف حيث لا يناله ذلك، ولو كان الضعيف والجبان يستحقان الرياسة بقلة بسط الكف وترك الحرب، وأن ذلك يشاكل فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكان أوفر الناس حظا في الرياسة، وأشدهم استحقاقا حسان بن ثابت، وان بطل فضل علي (عليه السلام) في الجهاد، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أقلهم قتالا، كما زعم الجاحظ ليبطلن على هذا القياس فضل أبي بكر في الانفاق، لان رسول الله كان أقلهم مالا!
وأنت إذا تأملت امر العرب وقريش، ونظرت السير، وقرأت الاخبار عرفت