الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم انزل الله سكينته على رسوله) (1).
واما الصحبة فلا تدل إلا على المرافقة والاصطحاب لا غير، وقد يكون حيث لا ايمان، كما قال تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك) ونحن وان كنا نعتقد اخلاص أبي بكر وايمانه الصحيح السليم وفضيلته التامة، إلا انا لا نحتج له بمثل ما احتج به الجاحظ من الحجج الواهية، ولا نتعلق بما يجر علينا دواهي الشيعة ومطاعنها.
قال الجاحظ: وان كان المبيت على الفراش فضيلة، فأين هي من فضائل أبي بكر أيام مكة، من عتق المعذبين وانفاق المال وكثرة المستجيبين، مع فرق ما بين الطاعتين، لأن طاعة الشاب الغرير والحدث الصغير الذي في عز صاحبه عزه، ليس كطاعة الحليم الكبير الذي لا يرجع تسويد صاحبه إلى رهطه وعشيرته.
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): أما كثرة المستجيبين، فالفضل فيها راجع إلى المجيب لا إلى المجاب، على انا قد علمنا ان من استجاب لموسى (عليه السلام) أكثر ممن استجاب لنوح (عليه السلام)، وثواب نوح أكثر، لصبره على الأعداء، ومقاساة خلافهم وعنتهم، واما انفاق المال، فأين محنة الغني من محنة الفقير وأين يعتدل اسلام من أسلم وهو غني ان جاع أكل وان أعيى ركب وان عرى لبس، قد وثق بيساره واستغنى بماله، واستعان على نوائب الدنيا بثروته، ممن لا يجد قوت يومه، وان وجد لم يستأثر به، فكان الفقر شعاره، وفي ذلك قيل: " الفقر شعار المؤمن "، وقال الله تعالى لموسى " يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا، فقل مرحبا بشعار الصالحين "، وفي الحديث: " ان الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام "، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " اللهم احشرني في زمرة الفقراء " ولذلك أرسل الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيرا، وكان بالفقر سعيدا فقاسى محنة الفقر ومكابدة الجوع حتى شد الحجر على